
“النساء في المستوطنات” ، الوجه الآخر للاحتلال ، بقلم: د. عمر السلخي
عندما نسمع عن الاحتلال الإسرائيلي، تقفز إلى أذهاننا صور الجنود، الحواجز، الجرافات، والجدران الإسمنتية، لكن الوجه الأخطر لهذا المشروع الاستيطاني طويل الأمد، يتمثل في البُنى المدنية والاجتماعية التي يُقام عليها، وفي مقدمتها الدور المتنامي للمرأة داخل المستوطنات.
فالمرأة المستوطِنة ليست فقط ربة منزل تعيش على أرض مسروقة، بل هي فاعلة نشطة – في كثير من الأحيان – في ترسيخ الاستعمار، وإعادة إنتاجه بأدوات “ناعمة”، تمتد من التعليم، إلى الإعلام، إلى العمل الأهلي والاجتماعي.
في الضفة الغربية عمومًا، ومحافظة سلفيت على وجه الخصوص، التي تُعد من أكثر المحافظات استهدافًا بالمشاريع الاستيطانية، تظهر نساء المستوطنات في مشهد جديد ومخيف: المرأة التي تلبس ثوب العائلة والتربية، لكنها تحمل في داخلها أيديولوجيا الإقصاء والسيطرة، وتمارس أشكالًا متعددة من العدوان والتوسع.
من “ربة منزل” إلى “ناشطة استيطانية”: التحول المقصود
في بداية نشوء المستوطنات، تم تسويق وجود النساء على أنه لتعزيز الطابع المدني والعائلي لتلك البؤر، ولكن هذا الوجود تحوّل تدريجيًا إلى نشاط سياسي وأيديولوجي مباشر.
فقد باتت المستوطنات تعتمد على النساء في تنفيذ مهام تتعدى الشأن الداخلي لتصل إلى:
تنظيم الفعاليات الدينية التي تُكرّس الرواية التوراتية في ذهنية الأجيال الجديدة.
المشاركة في جولات الضغط السياسي على الحكومات للمطالبة بتوسيع المستوطنات.
إنشاء مجموعات ضغط نسوية لدعم الجنود ومهاجمة منظمات حقوق الإنسان التي توثق الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
الانخراط في حملات إلكترونية موجهة ضد الإعلام الدولي والمؤسسات الحقوقية.
بمعنى آخر، أصبحت المرأة المستوطِنة جزءًا أصيلًا من المشروع الصهيوني التوسعي، لا فقط مرافقة له.
العنف “الناعم” الذي تمارسه نساء المستوطنات: وقائع من محافظة سلفيت
في قرى محافظة سلفيت، مثل ديربلوط وكفر الديك وديراستيا وكفل حارس، تتكرر شهادات الأهالي حول تورط نساء المستوطنات في ممارسات عدوانية، يصعب تصنيفها ضمن العنف المباشر، لكنها تحمل طابعًا خطيرًا على المدى الطويل، مثل:
مرافقة الجيش خلال الاقتحامات وتصوير الفلسطينيين بطريقة استفزازية كما حدث في بروقين وكفر الديك أثناء الاقتحامات وعمليات التجريف للأراضي الخاصه.
الدخول المتكرر إلى أراضي مصادرة تحت غطاء التنزه أو الجولات العائلية، لإثبات “الحق التاريخي” كما يحدث في المقامات الدينية الاسلامية في كفل حارس او برك حارس او وادي قانا.
التحريض العلني على المزارعين في مواسم الزيتون، ورفع دعاوى كيدية ضدهم ، في سلفيت وكفل حارس وكفرالديك وديربلوط .
نزع لافتات فلسطينية من الطرق الفرعية ووضع شعارات صهيونية بدلاً منها.
التقاط الصور الشخصية في الحقول كأدلة ملكية زائفة تُستخدم أمام المحاكم.
وهي ممارسات تُظهر أن العنف ليس دومًا طلقة أو حجرًا، بل قد يكون ابتسامة مزيّفة تزرع الخوف، أو كلمة تُحوّر الحقائق، أو صورة تُستخدم أداة تضليل في معركة الرواية.
المؤسسات النسوية في المستوطنات: عمل “خيري” على أنقاض الضحية
من أخطر ما يُرصد في السنوات الأخيرة هو ظهور مؤسسات نسوية استيطانية تتقن اللعب على العاطفة والمظلومية المصطنعة. هذه المؤسسات، مثل:
“نساء من أجل أرض إسرائيل”
“أمهات جبل الهيكل”
“الصهيونية النسوية الحديثة”
تروّج لخطاب مزدوج: في الخارج تتحدث عن حقوق المرأة اليهودية، وحمايتها من العنف، ودورها في التربية؛ وفي الداخل تمارس التحريض، والتنظيم، والمساهمة في ترسيخ بنى الاستعمار تحت قناع إنساني.
بعض هذه الجمعيات تحصُل على تمويل مباشر من وزارات إسرائيلية، أو من منظمات صهيونية في أمريكا وكندا، وتعمل بغطاء قانوني على دعم توطين العائلات في مناطق C، خصوصًا عبر تقديم “خدمات نسوية” للنساء اليهوديات اللواتي ينتقلن للسكن في هذه المناطق.
صناعة صورة الضحية: الإعلام الغربي في خدمة المستوطِنة
في التغطية الإعلامية الدولية، غالبًا ما تظهر المرأة الإسرائيلية كضحية دائمة، خصوصًا في حالات التصعيد. نشاهد صورها وهي تركض إلى الملاجئ، أو تحتضن أطفالها خوفًا من الصواريخ، أو تبكي على أطلال مستوطنة مهددة بـ”الإخلاء”.
لكن لا أحد يلتفت إلى أن تلك المستوطنة قائمة على أرض مغتصبة من قرية فلسطينية، وأن تلك الأم كانت قبل يوم تقتلع أشتال الزيتون من أرض لا تخصها.
ولا أحد يُظهر مشهد الأم الفلسطينية التي لا تستطيع الوصول إلى أرضها بسبب جدار عزلته، أو صبية من بروقين التي يُمنع عنها الهواء النقي بسبب مصنع كيميائي إسرائيلي في مستعمرة ارئيل الغربية.
الإعلام الغربي، في كثير من الحالات، يُسهّل تمرير خطاب المستوطنة الضحية، ويطمس صوت المرأة الفلسطينية المُحاصَرة، المناضلة، الثابتة.
المرأة المستوطِنة ليست “بريئة”
في ظل المعطيات الميدانية، والتوثيق اليومي الذي يقدمه سكان محافظة سلفيت، يجب أن يُعاد النظر في توصيف المرأة المستوطِنة.
فهي ليست عنصرًا بسيطا، بل فاعل استراتيجي في المشروع الاستيطاني، تمارس دورها من موقع “الناشطة”، و”الأم”، و”المربية”، لكنها في حقيقة الأمر:
تغذّي رواية الاحتلال.
تدعم جيش الاحتلال وتحرض على التهجير.
تكرّس حضورًا صهيونيًا يتجذّر على حساب السكان الفلسطينيين الأصليين.
- تربي جيلا على الكراهية للعرب والفلسطينيين.
في المقابل: المرأة الفلسطينية في محافظة سلفيت… نموذج الصمود
بينما تحظى المرأة المستوطِنة بالدعم المالي والقانوني والمؤسساتي، تُواجه المرأة الفلسطينية في محافظة سلفيت:
المنع من الوصول إلى أرضها.
حرمان أبنائها من التعليم الآمن.
الاعتداء اللفظي والجسدي من المستوطنين.
الإقصاء الإعلامي رغم دورها البطولي في الحقل، والمدرسة، والميدان.
ومع ذلك، تبقى المرأة الفلسطينية قائدة طبيعية، تُنجب الأمل، وتزرع الحلم، وتحرس الرواية.
ان الاحتلال ليس فقط بندقية، بل أيضًا حقيبة مدرسية تُكتب فيها رواية زائفة.
والمستوطِنة ليست فقط زوجة جندي، بل أحيانًا هي الجندي بصيغة مدنية.
وفي كل مستوطنة تُبنى، هناك امرأة تُدرّب أطفالها على الكراهية.
وفي كل قرية تُحاصَر، هناك امرأة فلسطينية تُلقّن أبناءها الكرامة والصمود.
فلنُنصت جيدًا لما بين الصور والأصوات…
فالمرأة في محافظة سلفيت، تقاوم بلا ضوء، وتنتصر كل يوم، بصوت الحق، وبجذور الزيتون