2:13 مساءً / 7 مايو، 2024
آخر الاخبار

نظرة من زوايا أُخَر لاتفاقيات أوسلو ، بقلم : باسم برهوم

نظرة من زوايا أُخَر لاتفاقيات أوسلو ، بقلم : باسم برهوم

نظرة من زوايا أُخَر لاتفاقيات أوسلو ، بقلم : باسم برهوم

أثار انتباهي التعقيب الروسي على الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقيات أوسلو (13 أيلول/ سبتمبر 1993). وهو رد موضوعي، كنت أتمنى أن تكون ردودنا بالطريقة نفسها بعيدا عن الخطاب الشعبوي، الذي يخلط الطين بالعجين، مستغلا ما يعانيه الفلسطيني من إحباط جراء عدم تمكنه من تحقيق اي من أهدافه الأساسية، والجهل في تاريخ نشأة القضية الفلسطينية وتطورها عبر اكثر من قرن من الزمان، وعدم الإلمام بما يكفي بالصهيونية ومشروعها وطبيعة الدعم الذي تتلقاه. وأي معالجة بالضرورة أن تفصل بين الاتفاق بحد ذاته والظروف التي جاءت به، وبين الأسباب التي أدت إلى فشله بالطريقة الكارثية التي وصلنا اليها بعد ثلاثة عقود.

ولكي يكون الامر مفهوما اكثر يمكن تلخيص التعقيب الروسي كالتالي: اتفاقيات أوسلو فتحت آفاقا لسلام فلسطيني إسرائيلي، ولكن انهار الأفق والأمل بسب الفوضى التي خلفها تفرد الولايات المتحدة الأميركية في رعاية مفاوضات عملية السلام، فالتعقيب الروسي حمل واشنطن مسؤولية الفشل، وميز بين الاتفاق بحد ذاته وبين النتائج والأسباب التي ادت الى انهياره والوصول الى طريق مسدود، بل اكثر من ذلك كيف تم تدمير أوسلو من قبل إسرائيل والولايات المتحدة بشكل منهجي.

والآن نعود للاتفاق، فكما هو معلوم فإن أي اتفاق هو ابن ظروفه. ويكون في العادة انعكاسا لميزان القوى، ومفهوم ميزان القوى مفهوم معقد بعض الشيء، فهو لا يقتصر فقط على ميزان القوة العسكرية أو الاقتصادية، ففي أحيان كثيرة يلعب الواقع الجيوسياسي، والنظام الدولي دورا مؤثرا في هذا المفهوم. فأوسلو هو باختصار ابن لحظته التاريخية بكل ما فيها من تفاصيل واعتبارات، وهو في الواقع فصل آخر للصراع وليس معاهدة سلام مكتملة الأركان تغلق جميع الادعاءات والمطالبات.

ولا يمكن فهم الاتفاقية الا في ضوء طبيعة الصراع، وبشكل ادق طبيعة الصهيونية ومشروعها التوسعي، ونظرتها للشعب الفلسطيني، ونفيها لوجوده كشعب يمتلك الحق بتقرير المصير على ارض وطنه التاريخي فلسطين. بالنسبة للصهيونية، هناك شعب واحد يمتلك حق تقرير المصير على “ارض إسرائيل” من البحر الى النهر هو “الشعب اليهودي”، والامر الذي اكده مجددا قانون “يهودية الدولة” الذي اقره الكينست الإسرائيلي عام 2018.

انطلاقا من المبدأ الصهيوني سالف الذكر، فإن اتفاقيات أوسلو تعتبر اختراقا، فقد اعترفت إسرائيل بموجب الاتفاق بالشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، كما اعترفت إسرائيل بأن هناك حقوقا للشعب الفلسطيني يجب التفاوض بشأنها، وفي مقدمتها القدس واللاجئون والأرض، عبر نقطتي الاستيطان والحدود، وان للشعب الفلسطيني حقوقا بالموارد والمقدرات عبر بند المياه. والأهم ان إسرائيل قد اقرت في الاتفاق ان الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة ولا يحق لها من طرف واحد تغيير الواقع فيها، كما حدد الاتفاق مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات وخلالها يجب ان يكون الاتفاق قد تم بشأن قضايا المرحلة النهائية: القدس، واللاجئين، والاستيطان والحدود والمياه. ولتوضيح ما يعنيه ذلك؟ فعلى سبيل المثال القدس، التي طالما ادعت إسرائيل انها عاصمتها الأبدية، في الاتفاق اصبح هذا الادعاء محل تفاوض وليس امرا محسوما سلفا.

اعود للتعقيب الروسي، فالاتفاق هو عبارة عن خريطة طريق تفتح افاقا للسلام، وكان الامر كذلك في البدايات الى ان اغتال اليمين المتطرف رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر للعام 1995. بعد ذلك تسلم هذا اليمين المتطرف السلطة في إسرائيل بزعامة نتتياهو في ربيع العام 1996، ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد المفاوضات اي تقدم حقيقي، بل جرى تكثيف الاستيطان ومصادرة الارض وتهويد القدس بشكل متسارع،، هذه الهجمة الإسرائيلية على أوسلو توجت بعملية “السور الواقي” وهي الحرب التي شنها شارون عام 2002 واعاد خلالها احتلال الضفة بالكامل، وقام بتدمير مؤسسات السلطة الوطنية وكل البنى التحتية وحاصر ياسر عرفات في مقره في رام الله وهو الحصار الذي انتهى باغتياله العام 2004 بالسم.

اما الوسيط الأميركي الذي احتكر عملية التفاوض، فكما ذكر التعقيب الروسي، اشاع الفوضى ولم يكن نزيها ولا محايدا وساهم في تدمير عملية السلام عندما لم يكن حازما بما يكفي بما يتعلق بكافة انتهاكات إسرائيل للاتفاقيات، وخاصة بما يتعلق بالاستيطان وتهويد القدس. وبلغ التدمير الاميركي لعملية السلام ولاوسلو ذروته مع اعلان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب القدس “عاصمة الشعب اليهودي”، ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس مما اعتبر في حينه ازاحة لقضية القدس من المفاوضات.

لقد كانت واشنطن وفي مراحل كثيرة متماهية تماما مع اليمين المتطرف الإسرائيلي في هدف تقويض أوسلو ومنع تطوره باتجاه حل الدولتين، كما وقفت واشنطن امام اي تدخل دولي إيجابي لدفع عملية السلام، بل وحرمت اللحنة الرباعية من القيام بأي دور فاعل. وحتى الادارات الاقل تطرفا، ادارات الديمقراطيين، كلنتون، اوباما والآن بايدن فإنها وان كانت متناقضة مع اليمين الإسرائيلي- لم تتحرك جديا باتجاه المبدأ الذي طالما تغنت به ألا وهو مبدأ حل الدولتين.

وفي سياق مختلف، فإن القوى الاقليمية، وهي بالمناسبة عربية وغير عربية، التي ترى في القضية الفلسطينية مجرد ورقة للمساومة في إطار تنفيذ اجنداتها ومصالحها الخاصة، فقد كان لهذه الدول مصلحة بفشل أوسلو، وبقيت تصر على التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي عبر اذرع وادوات فلسطينية. وهي ذات القوى التي تقاطعت مع اسرائيل في شق الساحة الفلسطينية وحدوث الانقسام في العام 2007، وتقوم حتى اللحظة بتغذيته.

ومن الجدير ذكره هنا ان الانقسام يمثل التهديد الاكثر خطرا على القضية الفلسطينية، وحرمان الشعب الفلسطيني من تحقيق اية مكاسب برغم التضحيات الكبيرة التي يقدمها.

اتفاقيات أوسلو هي نتاج اللحظة التاريخية التي ابرمت خلالها موضوعيا وذاتيا، فقد جاءت في وقت احكمت فيه الولايات المتحدة الأميركية قبضتها على النظام الدولي، الذي بات يعرف بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومعسكره الاشتراكي وحلف وارسو، بنظام القطب الواحد. ولعلنا نذكر ان حرب الخليج في العام 1991، التي جاءت اثر اجتياح العراق للكويت، كانت بمثابة المنصة التي اعلنت خلالها واشنطن انها صاحبة الكلمة في هذا العالم. والى جانب كل هذه التحولات الاستراتيحية الكبيرة على الساحة الدولية، فإن تلك الحرب انهت التضامن العربي، حيث انقسم العرب الى معسكرين متواجهين، وهي المرحلة التي انتهت باحتلال العراق العام 2003، ولاحقا بتفكيكك عدد من الدول العربية.

اما على الصعيد الذاتي، فقد وجدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها مع الطرف المهزوم في حرب الخليج، وفي الوقت ذاته كانت الانتفاضة الشعبية في الارض المحتلة قد بدأت تخبو، فقد حرمت التطورات المتسارعة إقليميا ودوليا منظمة التحرير من استثمار الانتفاضة، بالرغم انها حاولت العام 1988، عندما عقدت المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وتم الاعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو.

لقد كان مؤتمر مدريد الذي حضرته كل الدول العربية، لحظة تاريخية لتعلن فيها واشنطن انها هي صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في هذا العالم، وان حليفتها إسرائيل اصبحت دولة مقبولة في المنطقة، وان العرب جميعا جلسوا معها.

وقد ثبت لاحقا ان الولايات المتحدة لم تكن معنية بأكثر من تأكيد زعامتها وتثبيت الحقيقة الإسرائيلية، الا ان تطورا حدث في إسرائيل عندما جاءت حكومة رابين -بيريس عام 1992، التي ارتأت ان العنوان هو ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، للتوصل معه الى اتفاق سلام، والخروج من مأزق السيطرة على شعب آخر، ومأزق الاحتلال.. هذا التحول الإسرائيلي الداخلي هو الذي فتح الطريق امام أوسلو.

لم يدعِ احد ان أوسلو كان الاتفاق المنشود، فهو مرحلة اخرى من الصراع، ربما تحتاج الى ذكاء اكثر وكفاح اكثر شدة، وفي الجانب الإسرائيلي كان تقويض أوسلو هدفا وجوديا لليمين الإسرائيلي، ومن جانبها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي نشأت لتكون مؤسسة استعمارية توسعية، فقد رأت في أوسلو عدوا لمخططاتها وايديولوجيتها الصهيونية.

باختصار، لقد كان اعداء أوسلو اكثر بكثير من داعميه وهؤلاء الأعداء موجودون وأقوياء جدا في الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد لا يستهان به من القوى الاقليمية المتضررة والمنتفعة من استمرار الدم الفلسطيني النازف.

التعقيب الروسي منهجه جيد لكنه كان بحاجة الى توضيح أكثر. إلا ان رسالة التعقيب واضحة: الشتم لا يجب ان يوجه لأوسلو، فهو بالنهاية اتفاق على ورق، وإنما من يجب شتمه راعي عملية السلام الذي لم يكن نزيها وحسب بل وشريكا لليمين الصهيوني في تدمير حل الدولتين واي افق يمكن ان يقودنا الى السلام العادل.

شاهد أيضاً

القسام : قصفنا قوات الاحتلال شرق رفح بصواريخ رجوم

شفا – قالت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إنها قصفت بمنظومة الصواريخ …