1:29 صباحًا / 26 أبريل، 2024
آخر الاخبار

محطات في طريق ثورة التّعليم ، بقلم : سناء حسن ابو هلال

محطات في طريق ثورة التّعليم ، بقلم : سناء ابو هلال

محطات في طريق ثورة التّعليم ، بقلم : سناء حسن ابو هلال

الثورة والتغيير هما فعل غليان، تبدأ الثورة عندما يشعر المقهور بالقهر والظلم والاستبداد الذي يخضع له من جهة تمارس عليه طقوس القهر ولا تحترم إنسانيته، أو فكره، أو توجهاته وآرائه حتى في أهم الأمور المحكية في حياته العملية والشخصية.

ومتى ما أدرك المقهور ذلك، ستكون لديه الفرصة للخروج من هذا البئر العميق من الظلم والسير نحو التغيير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الإدراك كافٍ؟ وهل عزم النية على التغيير كافٍ أيضاً ليحدث التغيير؟

قد يكون في الآية الكريمة ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم [الرعد:11″ إجابة على بعض هذه الأسئلة، فنحن إذا أردنا التغيير وعقدنا العزم عليه، يجب أن يترافق ذلك بالعمل والسعي الحثيث للتطبيق، مع ما يتطلبه ذلك من تضحية في طريق البحث عن الحرية، وفي هذا السياق يجب أن يبدأ الفرد بنفسه وبمن حوله بما فيهم قاهره أيضاً، ليكون التغيير كاملاً وشاملاً، ومحققاً لأهدافه.

ولعل من أهم الثورات على وجه الأرض هي الثورات المرتبطة بالتعليم، وتغيير منظومته لتتناسب ومتطلبات العصر الذي يعيشه المتعلم والمعلم أيضاً.

بهذه القناعة جاء باولو فريري بكتابه “تعليم المقهورين” ذلك الكتاب الثوري القادم من عمق مجتمع القهر والعبودية، حاملاً راية عنوانها (تغيير المجتمعات يبدأ بالتعليم، والتاريخ يُرسم من خلال التعليم)، وهو في كتابه يؤسس لأهداف التعليم التي يريد ونريد والتي تقوم على مبدأ الحوار.

يظن من يقرأ كتاب “تعليم المقهورين” أن كاتبه باولو فريري، وهو من عاش في أواسط القرن الماضي في أميركا اللاتينية على بعد قرابة القرن من واقعنا الحالي، وكأنه يجلس بيننا يراقب ثوراتنا العربية، وثوراتنا الفكرية وعلى رأسها ثورات التعليم، في كل جملة نشهد موقفا حياتيا معاشاً، وفي كل فكرة يطرحها هدف لثورة نسمع بها أو نسعى للوصل إليها، ويجيب على أسئلة لا تبرح أذهاننا، ما الذي فاتنا ولم نقم به من أجل التحرر؟ هل كان هناك طريق آخر يصل بنا إلى محطة التحرر الذي فوتناه؟ هل الثورة في التعليم بطيئة إلى هذا الحد؟ هل هناك ما يعيق مسار الثورة؟ وهل نحن ثوار فعلاً أم نحن قدريون في تفكيرنا أم مقلدون لأنظمة أخرى ظاهرها مضيء وباطنها قهري؟ وهل ما يحصل من تغييرات بين الحين والآخر يمكن تسميته “ثورة تعليم” أم هو “كرم زائف”؟

التعليم من وجهة نظر فريري: هو رسم جديد للتاريخ البشري وثقافته ومعتقداته، فهو التعليم الذي يبني شخصية الإنسان، ويثري خبراته، ويدفعه إلى ممارسة ما تعلمه في حياته اليومية بتلقائية.

فيجيء بفكر أصيل يسعى إلى تغيير الواقع الاجتماعي لا ليكون مجرد نسخة مقلدة لنماذج أخرى، وإنما لتحريره وبنائه وفق احتياجاته واحتياجات الجماعة التي ينتمي إليها.

والتاريخ في نظره يجب أن تتم قيادته بفعل حركات التغيير الاجتماعي والثورة على الواقع.

يرى “باولو فريري” أن ليس هناك مفهوم محايد للتعليم، فإما أن يكون أداة لصهر الأجيال الجديدة في نظام التسلط القائم، أو أداة تعلمهم الحرية والتغيير، ويرى أن التربية والمنهاج السليمين القائمين على الحوار وتبادل الأدوار بين المعلم والطالب والتركيز على إنسانية الإنسان، هما السبيل الوحيد للخروج عن نمط “التعليم البنكي” كما وصفه، وهو التعليم الذي يعتبر عقول التلاميذ أرصدة فارغة يتم ملؤها بالمعلومات والمعارف ثم استظهار هذه المعارف على ورقة الاختبار، الأمر الذي يجعل المتعلم صاحب دور سلبي تقليدي يختزن المعلومات وينهمك في حفظها بدلا من معالجتها والوصول الذاتي إليها، والتفكير في إضافة ما هو جديد لهذه المعارف والعلوم.

وهنا يركز على أن الثورة الحقيقية بتوظيف “التربية الحوارية” عن طريق طرح المشكلات من خلال عملية ديناميكية تضرب جذورها في الحاضر ووجهتها دوما نحو المستقبل.

يرتبط الأسلوب البنكي في التعليم مع فكرة قدرية المصير الإنساني، ذلك الفكر القادم من مجتمعات القهر المستكينة التي تعتبر القهر هو قدرها وأنه لا يمكن التخلص منه، وأن نظام القهر ورموزه قادرون على إدارة سفينة المجتمع بشكل أفضل، وذلك لتعودهم على عدم الثقة بأنفسهم وبقدراتهم وبإنسانيتهم.

وعلى النقيض من ذلك فإن منهج طرح المشكلات (التعليم الحواري) في التعليم يطرح هذه المشكلة باعتبارها قضية تستوجب حلاً، وتتكفل هذه العملية بتخليص المتعلمين من الأوهام والأساطير التي صورها وصاغها النظام القهري، حيث أن وظيفة التربية إذن هي تنمية النقد والحوار، وتدريب الوعي الناقد، وتأكيدها أن عقل الإنسان قادر على كشف الحقيقة.

تكون بداية التحرر وصناعة النجاح، والخروج من التبعية بإعادة النظر في البرامج التربوية القائمة، وبرامج إعداد وتهيئة المعلمين، لتتواءم مع مجتمعنا الحالي واحتياجاته متطلعاً في نفس الوقت إلى مواكبة التطورات العالمية، وبالتالي تغيير الصورة النمطية للمعلم بجعله مساعداً وميسراً للمتعلم، وليس متسلطاً وملقناً يشجع على الحفظ واختزان المعلومات، وأن تتحول بؤرة العملية التعليمية لتجعل المتعلم محورا لها بعكس النظرية التقليدية التي تجعل المعلم محوراً للتعلم، وأن تتغير الطرائق والأساليب التدريسية لتعتمد التعلم التعاوني والتعلم بحل المشكلات، والتعلم للإبداع.

هنا ستتغير النظرة الى المدرسة والمؤسسات التعليمية برمتها، وستحقق هذه المؤسسات الوظيفة التي جاءت فعلاً من أجلها، وهي خلق جيل واع يؤمن بقيمه وتراثه وأصالته، ورافضا لكل أشكال الهيمنة الخارجية، محافظاً على إرثه الثقافي وفلسفته التربوية، صانعاً لمستقبله ومواكباً للحداثة.

في نظرة تأملية لمجتمعات القهر بأشكالها المختلفة الاجتماعية والتربوية، نرى أن قادة القهر والاضطهاد فيها يحاولون بطرق مختلفة تقويض الجهود الرامية للتحرر، تارة بالقهر والقمع المباشر، وتارة أخرى بتزيين صورة القاهر من خلال أشكال من “الكرم الزائف”، وبعضها ينتهج أساليب سياسية بغلاف تربوي مثل “سياسة فرق تسد”، وأخطر هذه الأساليب يكمن في “الغزو الثقافي” بحرص القاهرين على تثبيت وتمرير قيمهم وآرائهم الفكرية في مجتمع المقهورين، فنغدو مبهورين بتقليد ثقافات وأطر تربوية عالمية ونجعلها قدوة لنا، وهذا ما نلحظه في بعض البرامج التعليمية التي تقدم للطلبة، فهي تظهر في قشورها الحرية والتقدمية وتعظيم دور الحوار، ولكنها تغلف في باطنها سياسة قاهر أو داعم أو ممول يريد تمريرها لمجتمع الطلبة الفتي، لينشأ لديهم فكر جديد غريب عن مجتمعهم وثقافتهم، عن قصد أو غير قصد من قبل الساسة التربويين.

وللتغلب على ذلك، ولكي نصل إلى حرية فكرية حقيقية في التربية لا بد أن يتعاون الجميع وتتكاثف الجهود وتتوحد من أجل التحرر من عبودية هذا الغزو الثقافي، ولا يتم ذلك إلا بتوحيد الصفوف وتنظيمها بحيث يستعصي على القاهر تمرير ثقافته وأفكاره، وهذا التنظيم يعد أعلى قيمة تربوية يمكن أن يصل إليها المقهورون وقادتهم، ويكون بذلك لديهم السلطة والحرية بما يتوافق معهم ومع فكرهم وآرائهم واحتياجاتهم.

وفي هذا المجال لا بد للمجتمع التربوي كافة التركيز على الحوار والحوار والحوار في جميع المجالات، أساليب التعليم، أساليب التدريب، مناقشة البرامج التدريبية وتحليلها وتقييمها، والمساهمة في بناء برامج تتناسب مع المجتمع وثقافته واحتياجاته.

خلاصة القول إن مفاتيح الأبواب للولوج إلى عالم التحرر من القهر والعبودية بأشكاله المختلفة الاجتماعية، السياسية، والتربوية التعليمية يكمن في ثلاثة محاور أساسية أولها الاعتراف بأنسنة الإنسان واعتباره قيمة تؤخذ بالاعتبار سواء كان طالباً أو معلماً أو تربوياً.

وثانيهما العمل الثقافي ببناء ثقافة اجتماعية واعية جديدة تتناسب مع المجتمع، أما ثالثها وهو الأساس فيها فهو الحوار التربوي الفعّال الذي يضمن بدون شك تحقق العناصر الأولى.

شاهد أيضاً

مسؤول أممي : إذا أردنا بناء غزة من جديد فسيتطلب الأمر 200 سنة ولغاية اليوم مطلوب 40 مليار دولار

مسؤول أممي : إذا أردنا بناء غزة من جديد فسيتطلب الأمر 200 سنة ولغاية اليوم مطلوب 40 مليار دولار

شفا – قال المدير الإقليمي بالبرنامج الأممي الإنمائي عبد الله الدردري، اليوم الخميس، إن كل …