11:50 مساءً / 29 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

إشعال العقل ، رحلة نحو التعلم الحقيقي ، بقلم : نسيم قبها

إشعال العقل: رحلة نحو التعلم الحقيقي

إشعال العقل: رحلة نحو التعلم الحقيقي ، بقلم : نسيم قبها


في قلب العملية التربوية يكمن المبدأ الأساسي الذي يغير مصير الأمم: صناعة الإنسان المتحقق ذاتياً. هذا الكائن المفكر، القادر على الاستفسار والإبداع بشكل بناء ومستقل. هنا لا مكان للضوابط الخارجية التي تقيد الأجنحة، بل هناك فضاء رحب للعقل ليرتحل في عوالم المعرفة.

لننتقل إلى نظير حديث في فلسفة التعليم: ليس المهم ما نعطيه في الصف، بل ما تكتشفه. هذه هي اللحظة الفاصلة بين التلقين والتحرر. أن تكون متعلماً حقاً، ليس أن تكون مكتبة تمشي، بل أن تكون شعلة تضيء دروب البحث. وهذا يعني أن تكون في موقف يمكنك من الاستفسار والإبداع على أساس الموارد المتاحة لك، أن تتحول هذه الموارد من كلمات في كتاب إلى أدوات في يد بَنَّاء.

هنا حيث أنت المتعلم ، تأتيك صورتك التي أصبحت تدركها وتفهمها. هذه هي الصحوة الحقيقية: أن تعرف أين تبحث. أن تمتلك بوصلة في بحر المعلومات. كيف تصيغ أسئلة جيدة، فالسؤال الجيد نصف المعرفة. أن تشكك في المبادئ القياسية إذا كان ذلك ملائماً، لأن اليقين الراكد هو عدو العقل الحي. أن تجد طريقك الخاص لتشكيل الأسئلة التي تستحق المتابعة، تلك الأسئلة التي تخصك وحدك، والتي تلامس شغفك. وأن تطور المسار لمتابعتها، فتتحول من متسائل إلى رحَّالة في دروب البحث.

هذا يعني معرفة وفهم أشياء كثيرة، نعم. ولكن أيضاً، وهو أكثر أهمية بكثير من مجرد ما اختزنته في ذهنك، أن تمتلك خريطة للبحث لا مجرد صور لأراضٍ زُرتَها. هو أن تعرف أين تبحث، كيف تبحث، كيف تتساءل، كيف تتحدى. هذه هي أدوات البقاء في عالم يتجدد كل يوم.

كيف تمضي قدماً باستقلالية لتتعامل مع التحديات التي يقدمها العالم لك، بل والتي تطورها في سياق تعليمك الذاتي واستفساراتك وبحثك. هنا تصبح الحياة نفسها صفاً دراسياً مفتوحاً. ولا تسير وحدك في هذا الطريق، بل بالتعاون والتضامن مع الآخرين، لأن الحكمة الجماعية أقوى من العبقرية الفردية.

هذا ما يجب علينا أن نضغط باتجاهه ، أن يفكر النظام التعليمي مرّة واحدة في هكذا تعليم ، أن يتبناه و ينميه من الروضة إلى مرحلة الدراسات العليا. هذه هي المهمة العظمى: ليس ملء العقول، بل إيقادها. ليس تخريج متخصصين فقط، بل يكونوا متعلمين بشكل جيد، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. متعلمين قادرين على أن يكتبوا سيرتهم المعرفية بأيديهم، أن يشاركوا في حوار الإنسانية الأكبر، أن يكونوا، في النهاية، بشراً أحراراً بكل ما تعنيه الحرية من مسؤولية وإبداع وتساؤل.

هذه هي التربية التي ننشدها: لا تقف عند حد نقل التراث، بل تطلق طاقات لخلق المستقبل. لأن العالم لا يحتاج إلى عقول مليئة فحسب، بل إلى عقول مستنيرة، متسائلة، خلاقة… عقول تعرف أن الاكتشاف الحقيقي يبدأ عندما نتعلم أن نسأل بطريقتنا الخاصة.

  • نسيم قبها – كاتب وباحث تربوي – الإئتلاف التربوي الفلسطيني – الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يشارك في توقيع صكي صلح عشائري بسلفيت وجنين

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يشارك في توقيع صكي صلح عشائري بسلفيت وجنين

شفا – شارك وزير الداخلية اللواء زياد هبّ الريح، اليوم الاثنين، في مراسم توقيع صكّ …