
خسرنا المباراة ، وربحنا الحكاية ، بقلم : قمر عبد الرحمن
في المساءِ الذي يندى بالماءِ، وتضيع فيه الخيمةُ بين هبوط السماء وصعود الطين، يسأل الفلسطينيُّ قلبه:
“أأفرحُ الآن… أم أُجِّل الفرحَ إلى زمنٍ أقلَّ وجعًا؟”
ثم يضحك من السؤال، لأن الأسئلة عنده أثقلُ من الأجوبة، ولأن الحياة -كما يعرف- لا تنتظرُ اتفاقًا بين الحزن والفرح كي تمضي.
خسر المنتخب الفلسطيني.
نعم، خسر ولكنّ الخسارةَ لم تُسقِط روحه، بل رفعتها قليلًا، كما لو أنها تقول:
“نحن هنا… نلعبُ بقدمٍ واحدةٍ، ونحلم باثنتين”
فاز المنتخب السعودي، وللفوز احترامُه.
لكن ما أثار رجفة القلب تلك الحركةُ الخفيفةُ للاعبٍ فلسطيني، يتقدّم نحو الكرة كمن يتقدّم نحو قدره، لا ليغيّر العالم، بل ليقول له: “لن تمرّ بي بسهولة”
لكلّ شعبٍ طريقةٌ في الاحتفال.
أمّا الفلسطيني، فاحتفاله يشبه صلاةً قصيرةً في ركنٍ معتم: لا يرفع صوته كثيرًا، لا يخاصم أحدًا، ولا يُخفي دموعه إن نزلت. يعرف أنّ الفرحَ ليس نقيًّا، وأنّ الحزنَ ليس كاملًا، وأنّ القلبَ -منذ أنّ عرف اسمه- يعيش التعادل مهما تغيّرت النتيجة.
في المباراة، كان الملعبُ وطنًا مؤقّتًا:
خطوطه حدودٌ قابلة للمراوغة، عشبه ذاكرةٌ خضراء،
وصوت الجمهور المشتعل كان يشبه هتافًا قديمًا خرج من حجارة البيوت المهدّمة.
اللاعبون الفلسطينيّون لم يلعبوا مباراةً فقط.
لعبوا تاريخًا يركضُ خلفهم، ولعبوا حاضرًا يتعثّر في الطين، ولعبوا مستقبلًا صغيرًا يريد أن يفتح نافذته ولو على ريحٍ عاتية.
أمّا أنت، يا من تنتظر إذنًا للفرح… فلا تنتظر. الفرح ليس خيانةً للحزن، ولا اعتذارًا من المطر، ولا ترفًا يُحاسَب عليه المنسيّون. الفرحُ -عند الفلسطيني- شكلٌ آخر للبقاء، وشهادةُ حياةٍ تُكتب بالنبض لا بالنتيجة. وقُل بصوتٍ يشبه الريح: “نحن أهل الفرح… ولو كان الفرحُ ناقصًا”
وقُل أيضًا: خسرنا المباراة… نعم. لكنّنا ربحنا ما هو أعمق: ربحنا القدرة على أن نقف، على أن نعلّق آمالنا على رِجلٍ تركل الهواء، وعلى أن نبتسم -ولو للحظة- في وجه ليلٍ طويل.
فالفرح الفلسطيني…
إن جاء، جاء مبتلًّا، وإن تأخر، تأخر مُثقلًا، وإن حضر، حضر كما تحضر زهرةٌ في صفيحٍ محروق: لا تطلب إعجابًا من أحد، بل تعلن أنّها… ما زالت تنبت.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .