10:58 صباحًا / 1 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

سيميائية الاغتراب وكرونوتوب الذات العارفة ، قراءة تأويلية في مجموعة ظلال لا تشبهني للبروفسيور سعاد بسناسي ، بقلم : د. نجلاء نصير

سيميائية الاغتراب وكرونوتوب الذات العارفة ، قراءة تأويلية في مجموعة ظلال لا تشبهني للبروفسيور سعاد بسناسي ، بقلم : د. نجلاء نصير

سيميائية الاغتراب وكرونوتوب الذات العارفة ، قراءة تأويلية في مجموعة “ظلال لا تشبهني” للبروفسيور سعاد بسناسي ، بقلم : د. نجلاء نصير

جامعة الإسكندرية مصر/دكتوراه الفلسفة في الآداب، تخصص الدراسات الأدبية والنقدية.

تتناول هذه الدراسة المجموعة الشعرية “ظلال لا تشبهني” للشاعرة الجزائرية سعاد بسناسي، مقاربةً إياها كوثيقة “سيرة ذاتية روحية” تمتد عبر ثلاثة عقود (1995-2025). تنطلق الدراسة من تحليل العتبات النصية (Paratexts) لتفكيك مفارقة “الظل والذات”، ثم تنتقل لدراسة “الكرونوتوب” (الزمكان) لتتبع جغرافيا الاغتراب في نصوص الديوان، وصولاً إلى استجلاء المعجم الصوفي الذي وظفته الشاعرة كآلية دفاعية ضد “سيولة” العالم المادي. تسعى الدراسة لاستنطاق البنية الدلالية والجمالية للمجموعة، متخذة من المنهج السيميائي وآليات التأويل العرفاني أدوات للمقاربة، ومنطلقة من فرضية أن النص الشعري هنا هو “وثيقة اغتراب وجودي” تعيد إنتاج مفاهيم “الغربة” عند التوحيدي، و”التجلي” عند ابن عربي.

إشكالية الوجود في النص الشعري

لا يطرح ديوان “ظلال لا تشبهني” نفسه كنصوص عاطفية عابرة، بل كمدونة وجودية توثق رحلة “الذات” في بحثها عن “المعنى” وسط عالم يضج بالزيف. تكمن إشكالية البحث في السؤال التالي: كيف استطاعت الشاعرة تحويل “الاغتراب” من حالة نفسية سلبية إلى “مقام عرفاني” منتج للمعنى؟ وكيف ساهم البناء الإيقاعي “المحافظ” (العمودي) في احتواء قلق التجربة الحداثية؟

“الظل” كإشكالية وجودية

تشكل المجموعة الشعرية “ظلال لا تشبهني” للشاعرة سعاد بسناسي وثيقةً “أنطولوجية” (وجودية) تتجاوز حدود البوح العاطفي لتلامس تخوم التجربة العرفانية. تنطلق الدراسة من فرضية مركزية مفادها أن الشاعرة لا تكتب قصائد متفرقة، بل تدون “سيرة تحول” تمتد لثلاثين عاماً (1995-2025)، تنتقل فيها الذات من “الطمأنينة المكانية” إلى “الاغتراب المادي”، وصولاً إلى “الحلول الصوفي” حيث يصبح “النور” هو الهوية البديلة عن “الظلال” الزائلة.

العتبات النصية: ميثاق المكاشفة

قبل الولوج إلى المتن، تضعنا العتبات أمام استراتيجية “تعرية الذات”:

هندسة العتبات (استنطاق النص الموازي)

استناداً إلى تنظيرات جيرار جينيت في كتابه “عتبات”، تشكل العتبات البصرية واللغوية في الديوان “نظام توجيه” صارم للقارئ، يبرم معه ميثاقاً قرائياً قبل الولوج إلى المتن.

أ. سيميائية الغلاف والعنوان: بلاغة المحو والإثبات

يحتل العنوان “ظلال لا تشبهني” مركز الغلاف، مؤسساً لبنية انزياحية:

المفارقة الضدية: يحطم العنوان العلاقة المنطقية بين الدال (الظل) والمدلول (صاحب الظل). فالأصل في الظل التماثل، ونفيه هنا (“لا تشبهني”) يؤسس لإشكالية “الاغتراب الهوياتي”. هذا العنوان يضع القارئ فوراً أمام ذات متشظية لا تتعرف على انعكاساتها.

التجنيس الفرعي: يشي العنوان الفرعي “همسات شعرية” بطبيعة الخطاب؛ فهو خطاب “الداخل”، صوت خافت ومناجاة روحية، مما يتسق مع النزعة الصوفية للكتاب.أما التشكيل البصري (لوحة الخطاط خالد الخالدي)، فيعتمد “تداخل الحروفيات” ليعكس حالة “الفوضى الروحية” أو تداخل المقامات. وسيميائياً، يطغى اللونان الأزرق الفيروزي (المرتبط بالروحانية والسماء) والذهبي/البني (المرتبط بالعراقة والطين)، مما يعزز ثنائية (السماء/الأرض) التي تحكم الديوان.

ب. الميثاق التواصلي: الإهداء والغلاف الخلفي

مانيفستو المكاشفة: في النص الخلفي، تعلن الشاعرة بوضوح: “ستجدونني كما لم أجرؤ أن أكون: عارية من المجاز”. هذا التصريح يسقط الأقنعة ويعلن أسبقية “الصدق” على “الصنعة”، مؤكدة أن الديوان هو بحث عن الذات في “صدى القصيدة”.

الإهداء العرفاني: تنتقل الشاعرة في الإهداء من الشخصي إلى الكوني: “إلى الطيف الذي همس… إلى كل صمت صاغني من الداخل”. هذا الخطاب الموجه للمفاهيم المجردة يذكرنا بأسلوب النفري في “المواقف”، حيث الصمت هو اتساع المعنى حين تضيق العبارة. مما يؤكد أن المخاطب في الديوان ليس “الآخر البشري” بل “القرين الروحي”.

“الكرونوتوب” الشعري (جغرافيا الروح)

خلافاً للدراسات التقليدية، ترصد هذه الدراسة بنية “الزمكان” (Chronotope) في الديوان، حيث تتحول القصائد إلى “أرشيف” للروح.

أ. الزمن: من الذاكرة إلى الحضور

يمتد زمن الكتابة لثلاثين عاماً (1995-2025)، مما يكشف عن تطور التجربة:

زمن الجذور: في قصائد التسعينيات (مثل “عمي موسى 1995”)، تحضر اللغة المشبعة بالحنين والأثر: “في الزوايا التي مرت بها خطاها… ما زال يصلي المكان”.

زمن الاغتراب: في قصائد الألفية الجديدة (ليون، إسطنبول)، تتغير اللغة لتصبح أكثر رصداً للمفارقات والاغتراب: “أنا… غريب بلون العناق”.

ب. المكان: بين “الألفة” و”الوحشة”

المكان الأليف (Topophilia): يتجسد في “وهران” و”القدس” التي تحضر كـ “مقام” روحي ومركز للطهر.

المكان المعادي: يتجلى في المدن التي تشعر فيها الشاعرة بأنها “وصمة قديمة / في مرآة جددت بأناقة لا تصدق”.

التحليل الكرونولوجي: حقب التحول الأربعة

تكشف تواريخ القصائد المثبتة في المتن عن مسار تصاعدي للتجربة الروحية، يمكن تقسيمه إلى أربع حقب مفصلية:

الحقبة الأولى: زمن “الجذور” واليقين المكاني (1995 – 1999)

في هذه المرحلة، كانت الذات الشاعرة تعيش حالة “حلول” في المكان الأول (الجزائر). المكان هنا ليس جغرافيا صامتة، بل كائن حي يمارس طقوسه.

في قصيدة “عمي موسى” (1995)، تصف المكان بقداسة: “ما زال يصلي المكان حين يبتدى” .

وفي “وهران” (1996)، تتعامل مع الضوء ككائن أليف: “والضوء مال إلى ظني يصافحني” .

حتى حين بدأت بوادر الاختلاف في قصيدة “في الضد كان دربها” (1999)، كانت الذات واثقة من نورها الداخلي رغم انطفاء المرايا الخارجية: “رأيتها في مرايا الناس منطفئة / لكنها من ضياء القلب مكتملة” .

الحقبة الثانية: جغرافيا الشتات و”المرايا الباردة” (2000 – 2017)

مع الانتقال إلى المنافي، يتحول “الكرونوتوب” إلى فضاء للاغتراب الحاد. المدن الحديثة جميلة لكنها بلا روح، وتتحول الذات إلى “غريب”.

في دمشق (2008): ينكفئ التدين إلى الداخل خوفاً أو حذراً: “ظل يتوضأ بالحذر… في محراب بناه من أوجاعه” .

في إسطنبول (2013): تعلن الشاعرة غربتها صراحة: “أنا… غريب بلون العناق” ، وتكتشف أن الأماكن أبلغ من اللغة: “ولا غربة، حين يتكلم المكان دون مفردات” .

في ليون (2017): تصل الغربة ذروتها التراجيدية. تصف الشاعرة نفسها بصورة “سوريالية” موجعة: “كأنني وصمة قديمة / في مرآة جددت بأناقة لا تصدق” . الشعور بأنها “وصمة” في مرآة الحضارة الغربية الحديثة يعكس اغتراباً قيمياً عميقاً، وتؤكد ضياعها المكاني: “أنا لست هنا / ولا هناك” .

الحقبة الثالثة: صدمة العودة ومكاشفة الأربعين (2019 – 2023)

تكتشف الشاعرة أن العودة الفيزيائية للوطن لا تعني انتهاء الغربة، فالغربة قد استوطنت الروح.

في القاهرة (2019): تدرك زيف الاستقبال: “فهمت أن النوافذ التي تفتح للغريب / ليست نوافذ / بل مرايا تخادع الضوء” .

سن النضج (2023): في قصيدة “تحرري من قيودك”، تستلهم رمزية سن الأربعين كنقطة انطلاق للتحرر الروحي: “كذا الوحي في الأربعين نزل” ، داعية ذاتها لفك الارتباط بالأحزان: “تحرري من قيودك” .

الحقبة الرابعة: المقام العرفاني و”سيادة النور” (2024 – 2025)

تتوج الرحلة في نصوص العام الحالي (2025) بالوصول إلى “مقام العارف”، حيث يتم استبدال “الظلال” بـ “النور”، و”الناس” بـ “الأرواح”.

الحل الفلسفي: في قصيدة “كما يراني النور” (جانفي 2025)، تتصالح الشاعرة مع سوء فهم الآخرين لها، مكتفية بنورها: “يا سائيلي… يكفيه أن يسري النور أنفاس” . وتعلن بقاءها في الحقيقة المطلقة: “بل إني في النور أبقى، وهو ما زال” .

فلسفة الظل: في “نشيد المدد” (جوان 2025)، تقدم تعريفاً جديداً للموت والغياب، معتبرة أن الأجساد مجرد ظلال: “كأنهم ظل تخلى عن الجسد” .

الوصية الأخيرة: تختم تجربتها في “الهزيع الأخير” (ماي 2025) بالانحياز للطبيعة (الطين) ضد قسوة الحضارة (الجنازير): “وحده الطين، يعرف كم تأوه الورد حين مرت عليه جنازير المحال”

المنحى الرومانسي (الطبيعة مرآةً للذات)

تتجلى الرومانسية في الديوان من خلال “الاندماج الحلولي” في الطبيعة، واستخدام مفرداتها للتعبير عن الحالة الشعورية (المعادل الموضوعي).

أ. أنسنة الطبيعة (Pathetic Fallacy)

تخلع الشاعرة مشاعرها على عناصر الطبيعة، فتصبح الطبيعة مشاركة لها في الغربة والألم، وهو ملمح رومانسي أصيل.

الشاهد الشعري: في قصيدة “مطر لا يبتل به أحد”، تقول:

“حينها يحضنني رذاذ / كأنه يغسل ظنوني من ملوحة البحر البعيد” . “ثمة نهر / يتلو تعاويذه على جناح سنونو” .

التحليل: الرذاذ هنا ليس ماءً، بل “حضن” يعوض غياب البشر، والنهر ليس مجرى مائياً بل “كائن يتلو التعاويذ”. الطبيعة هنا “أم رؤوم” تحتضن اغتراب الشاعرة حين تلفظها المدن.

ب. الحزن النبيل والاغتراب (Melancholy)

الرومانسية تتميز بـ “لذة الحزن” أو الكآبة الوجودية. الشاعرة لا تشكو الفقر المادي، بل تشكو “غربة الروح” في عالم لا يفهم لغتها.

الشاهد الشعري: في قصيدة “الهزيع الأخير”:

“وحده الطين، يعرف كم تأوه الورد حين مرت عليه جنازير المحال” . “يا ليت الأرواح تفهم ما يقال / لا ما يصاغ على ألسنة الرجال”.

التحليل: استخدام “الورد” (رمز الرقة/الرومانسية) في مواجهة “الجنازير” (رمز القسوة/الواقع الصناعي) هو تجسيد للصراع الرومانسي الأبدي بين “المثالية الحالمة” و”الواقع المادي المشوه”. الشاعرة هنا تهرب من “ضجيج الرجال” إلى “صمت الأرواح”.

ج. الليل والوحدة

الليل هو الزمن المفضل للرومانسيين (زمن المكاشفة).

الشاهد الشعري: “فكلما صاح في الليل انكسارهم / قلت: السكون نداء فيه ربي يجيب” .

التحليل: الليل ليس زمناً للخوف، بل هو زمن “السكون” الذي يتيح للذات أن تسمع صوتها الداخلي بعيداً عن صخب النهار الاجتماعي.

المعجم الصوفي وتجليات “الغريب”

توظف سعاد بسناسي القاموس الصوفي كأداة معرفية (إبستمولوجية) لتفسير العالم، مستدعيةً الموروث العرفاني الإسلامي.

أ. “غربة الفاضل”: استدعاء التوحيدي

تتقاطع الشاعرة مع أبي حيان التوحيدي في مفهوم “غربة الروح العارفة”. في قصيدة “مناجاة على هامش الرفض”، تقول: “أنا الغريب، ولكن ليس فيَّ عيب… أنا الذي سميت ظلاً في مواسمهم”. هنا تتبنى الشاعرة موقف التوحيدي القائل بأن الغريب لا يرى شكلاً يشاكله، فتجعل من الغربة ميزة واصطفاءً، وتصف نفسها بـ “الظل” لأن الآخرين عجزوا عن إدراك “النور” الكامن فيها.

ب. جدلية النور والظل: في رحاب ابن عربي

تستلهم الشاعرة فلسفة ابن عربي التي ترى العالم “ظلاً” للحقيقة الإلهية “النور”.

تستعير الشاعرة فلسفة ابن عربي ومفهوم “التجلي”، حيث الجسد ظل والروح نور. في قصيدة “نشيد المدد”:

“تساقطت أسماؤهم في صمت سؤدد / كأنهم ظل تخلى عن الجسد” (ص. 87). وفي قصيدة “لم أخبر أحداً”، تؤكد بقاء النور: “بل إني في النور أبقى، وهو ما زال” (ص.11

الشاعرة هنا تدرك أن الوجود المادي (الظل) زائل، وتسعى للفناء عنه للبقاء بـ “النور”، وهو جوهر التجربة الصوفية.

إذا كانت الرومانسية هروباً أفقياً (نحو الطبيعة)، فإن الصوفية في الديوان هي هروب عمودي (نحو السماء).

وجدير بالذكر أن الشاعرة سعاد بسناسي لم تنعزل في “برج صوفي” مغلق، بل جعلت من “العرفان” منطلقاً للاشتباك مع قضايا الأمة. إنها تمارس ما يمكن تسميته بـ “الصوفية المقاومة”، حيث يصبح الدفاع عن الأرض نوعاً من “الجهاد الروحي” والحفاظ على “المقدس”.

“جيوبوليتيك الروح”: بين قداسة الوطن وجرح فلسطين

قراءة في قصائد الانتماء والمقاومة

لا تفصل الشاعرة بين “التصوف” و”الثورة”، فالوطن عندها ليس رقعة جغرافية، بل هو “تجلي” (تجلي) للحق. وهي تعالج قضيتي “الجزائر” و”فلسطين” بمنطق واحد: الأرض هي مرآة السماء.

القضية الفلسطينية: المعراج إلى “نور السماوات”

تخصص الشاعرة قصيدة مطولة بعنوان “نور السماوات” (ص 60-64) لفلسطين، حيث تنتقل من الخطاب السياسي المباشر إلى الخطاب الروحي العميق.

القدس كمركز كوني: تخاطب القدس لا كمدينة محتلة فحسب، بل كقطب روحي: “يا قدس الآفاق، يا رحلة الصوفية / لينبوع الحكمة والعشق الأبدي”. هنا تصبح القدس “معراجاً” للسالكين، وتحريرها ليس فعلاً عسكرياً فقط، بل استعادة للتوازن الروحي للعالم.

خارطة المدن المقدسة: تستحضر المدن الفلسطينية كأيقونات للصمود:

رام الله والخليل: “يا رام الله ويا خليل الأبطال / فيك قصص الصمود وأسباب البقاء”.

غزة والناصرة: “يا نابلس والناصرة ويا غزة / حضارة تتأرجح تحت راية العزة”.

فلسفة الصمود: ترى الشاعرة أن الصمود الفلسطيني مستمد من “نور” داخلي: “في ليلك الطويل، أراه نوراً / يحمينا بإيمانه وصبره الأبدان”. الفلسطيني هنا هو “وليّ” من أولياء الله، صموده كرامة.

الوطن (الجزائر): “وطن في حضرة التجلي”

في قصيدتها “وطن في حضرة التجلي” (ص 65-68)، ترسم الشاعرة “بورتريه” للجزائر يمزج بين التاريخ النضالي والعمق الصوفي.

الذاكرة الثورية (الميثاق الدموي): تستدعي رموز المقاومة الجزائرية، وعلى رأسهم الأمير عبد القادر (الذي يجمع بين التصوف والسيف): “من طيف الأمير عبد القادر إلى رموز الوعود / ساروا بإيمان وكبرياء”. الوطن هنا “ملحمة الأبطال والأساطير” ، وهو “تربة الشهداء” التي تغسل الأرواح.

وهران (لؤلؤة العارفين): تخص مدينتها “وهران” بنصوص دافئة، تصفها بأنها “ملاذ العارفين” ، و“قلب الأندلس النابض”. وهران ليست مدينة للحياة اليومية، بل “فيك تشرق شموس المعرفة”.

القداسة المكانية: تربط الجزائر بالنور والحقيقة: “فتحت أجنحتك، أرواحنا تسبح في نور الحقيقة”. حب الوطن فعل إيماني: “ونحن في معبد حبك نتلو الترتيل بعزم”.

3-التقاطع الدلالي: وحدة الجرح والقبلة

تجمع الشاعرة بين “الجزائر” و”فلسطين” في نسق دلالي واحد يقوم على:

ثنائية (الأرض/السماء): فلسطين “تصلي في محراب العشق” ، والجزائر “زينة الكون”. الأرض في الحالتين مقدسة.

رمزية الشهيد: الشهيد في الجزائر وفلسطين ليس ميتاً، بل هو “نور” يسري في دماء الأجيال.

اليقين بالنصر: النصر حتمي لأنه وعد إلهي، وليس مجرد حسابات عسكرية: “لن ينالوا من إرادة الكد والكرامة”

الإيقاع وسلطة العمود الشعري (سوسيولوجيا الشكل)

رغم حداثة الصور، تلتزم الشاعرة بالوزن الخليلي (البحور: الكامل، البسيط).

التحليل: في قصيدة “نشيد المدد”، يجري الوزن على تفعيلات البحر الكامل: “تساقطت أسماؤهم في صمت سؤدد”.

الدلالة السوسيو-ثقافية: يمثل هذا التمسك بالعمود الشعري فعلاً “مقاواً”. في مواجهة “سيولة” العالم وتمزق الهوية في المنافي، يصبح “الوزن التراثي” و”القافية الموحدة” حصناً يحمي الذاكرة، و”بيتاً” تأوي إليه القصيدة في زمن التشرد، مما يمنح التجربة القلقة إيقاعاً منضبطاً ورصيناً.

المعجم الصوفي: استراتيجية الدفاع الروحي

لم توظف الشاعرة القاموس الصوفي كترف لغوي، بل كآلية دفاعية (Defense Mechanism) ضد “سيولة” العالم المادي.

“غربة الفاضل”: تستدعي مفهوم التوحيدي عن الغريب، محولة الغربة من نقيصة إلى فضيلة: “أنا الغريب، ولكن ليس في عيب” .

الصمت كـ “لغة”: الصمت في الديوان ليس عجزاً عن الكلام، بل هو “منزلة” أرفع: “في الصمت منزلة تسمو بلا لقب” .

العشق الإلهي: تتحول الصلاة من فريضة إلى حالة انصهار: “أصليك أنت، وكل جهتي لك” ، حيث يحترق السجود في “الوجد” .

تخلص الدراسة إلى أن مجموعة “ظلال لا تشبهني” تمثل “سيرة ذاتية عرفانية” بامتياز. لقد نجحت الشاعرة في تضفير الموروث الفلسفي (التوحيدي، ابن عربي، النفري) مع تجربتها الحداثية المعاشة، مقدمة نصاً يرى في “الاغتراب” شرطاً للكشف، وفي “الظل” ممراً إلزامياً نحو “النور”. إنها تجربة تؤكد أن الشعر الحقيقي هو ذلك الذي يعيدنا إلى “غربتنا الأولى”، غربة المعنى في عالم المبنى.

المصادر

  1. بسناسي، سعاد. (2025). ظلال لا تشبهني: همسات شعرية. الجزائر: صوت الكتب للنشر والتوزيع.

المراجع

  1. التوحيدي، أبو حيان. (1981). الإشارات الإلهية. (تحقيق: عبد الرحمن بدوي). الكويت: وكالة المطبوعات.
  2. ابن عربي، محيي الدين. (بدون تاريخ). فصوص الحكم. بيروت: دار الكتاب العربي.
  3. النفري، محمد بن عبد الجبار. (1997). المواقف والمخاطبات. القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة.
  4. جينيت، جيرار. (1987). عتبات (Seuils). (ترجمة: عبد الحق بلعابد). الجزائر: منشورات الاختلاف.
  5. هلال، محمد غنيمي. (1982). الرومانتيكية. بيروت: دار العودة.
  6. . القط، عبد القادر. (1981). الاتجاه الوجدانى فى الشعر العربي المعاصر. بيروت: دار النهضة العربية.

9.جينيت، جيرار. (1987). عتبات (Seuils) (ترجمة: عبد الحق بلعابد). الجزائر: منشورات الاختلاف.

شاهد أيضاً

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم زيارة الصين من 3 إلى 5 ديسمبر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم زيارة الصين من 3 إلى 5 ديسمبر

شفا – يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة الصين من 3 إلى 5 ديسمبر. وقال …