شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
“سلالة من طين” للكاتبة قمر عبد الرحمن ، بقلم : الأستاذ بسّام داوود
نبارك للأديبة قمر عبد الرحمن على إصدارها الجديد “سلالة من طين” التي جاءت روايتها الاجتماعية الوطنية بلغة سهلة وأسلوب شيق يجذب القارئ منذ الصفحات الأولى.
تدور أحداث الرواية حول عائلة أبو نضال المكونة من الأب وزوجته وأبنائه نضال، آدم، ومريم. الأب يتصف بالقسوة والديكتاتورية داخل البيت، ويعتبر رأيه هو الرأي الصائب في كل الأمور. أما مريم، فقد تعرضت لزواج قسري من رجل ظالم عنفها وضربها وأهانها، وكان دائمًا يقول لأمها: “لا تقوى عين بنتك، المرأة ما لها إلا بيت زوجها”. أنجبت مريم ابنة أسمتها شفا، لكن العنف لم يتوقف، حتى أقدم زوجها على حرق وجهها وجسدها بسكب الشاي الساخن عليها، فقام آدم ومريم بتقديم شكوى ضده لدى الشرطة. هذا الأمر أغضب والدها، فقام بقتل ابنته في الحمام مدعيًا أنها انتحرت. ألقت الشرطة القبض عليه، واعترف بجريمته، وشعر بندم شديد أدى إلى وفاته بعد شهر من الحادثة.
الرواية لا تقتصر على معاناة الأسرة فحسب، بل تتناول أيضًا الواقع السياسي والاجتماعي في فلسطين. بعد سيطرة حركة حمـ.ـاس على قطاع غزة، وفرض الاحتلال حصارًا مشددًا، أصبح القطاع بمثابة سجن كبير. قرر نضال دراسة الطب، إلا أنه اعتقل أثناء عبوره معبر رفح، وفقد بذلك كل طموحاته، ليبدأ معاناة السجن بالاعتقال الإداري المقيت كبقية الشباب الفلسطينيين.
بينما آدم يحب الحياة، وقع في حب فتاة تدعى هبة، التقى بها على الشاطئ ثم في عيادة طبيب الأسنان التي تتعالج عندها والدته. تبيّن أنها تدرس طب الأسنان، وتقدم لخطبتها بعد التخرج. ولكن الاحتلال لم يترك له فرصة لتحقيق حبه، إذ دمرت إحدى الغارات الصهيونية بيت هبة، فمحت هي وعائلتها من السجل المدني، مغلقة بذلك ملف آدم العاطفي إلى الأبد.
الرواية تسلط الضوء على معاناة الناس من العادات والتقاليد البالية، مثل خوفهم من العيب أكثر من خوفهم من الله، وتجسد ظلم المرأة الذي قد يصل إلى العنف والحرق والقتل. كما توثق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال من اعتقالات، وتهديدات، وهدم البيوت، وتعذيب الأسرى، والتحكم في لقمة العيش.
مع ذلك، تبرز الرواية الحب للحياة في الشعب الفلسطيني، الذي يستمر في الزواج، والإنجاب، وبناء الأرض، وزراعة الأشجار، والحصول على أعلى الشهادات، رغم كل الصعاب. فالفرح الفلسطيني في الرواية ليس فرحًا عاديًا، بل هو فرح مزخرف بالمقاومة، محفوف بالألم ومنثور بالدم، فالفرح والحزن في فلسطين لا ينفصلان، والناس يرددون نشيد الأرض وهم يحملون الشهيد على أكتافهم. الأطفال في غزة لا يولدون كأطفال فقط، بل يولدون رجالًا، ومعنويات الأسرى عالية رغم العذاب والتهديد والحرمان من أحبائهم. الرواية تنتقد أيضًا الصمت العربي، مشيرة إلى أن بعض الحكام العرب لا يقلون جرمًا عن العدو الصهيوني.
اختارت الكاتبة عنوان روايتها “سلالة من طين” فكلمة “طين” لها دلالة رمزية على المقاومة: فالطين لا ينكسر، بل يمتص الصدمة ويعود ليُشكل من جديد، وهذا هو معنى الصمود والتحدي والمقاومة الفلسطينية.
مرة أخرى، نبارك للأديبة قمر عبد الرحمن على هذا الإصدار الرائع الذي يعكس معاناة شعب وحضارة أصيلة، ويصور مقاومة الإنسان الفلسطيني وصموده في مواجهة الظلم والقهر.
