12:38 مساءً / 17 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة وارفة في قصيدة الشاعر أسامة ملحم ، بقلم : رانية مرجية

قراءة وارفة في قصيدة الشاعر أسامة ملحم

قراءة وارفة في قصيدة الشاعر أسامة ملحم ، بقلم : رانية مرجية

ليس الشعر عند أسامة ملحم مجرّد كلماتٍ تتهادى على الصفحة؛ إنه تنفّسٌ آخر للروح حين تضيق بها الأرض. في مقطعه الشعري الأخير، يفتح الشاعر نافذة على وجعٍ إنساني شفاف، وجع يشبه البكاء المختنق الذي لا نسمعه إلا عندما نصغي للداخل أكثر مما نصغي للعالم.

“آإستمعتَ إلى نشيجه
وهو يمضي إلى الهاوية؟”

بهذا السؤال يبدأ النص، وكأن الشاعر يعاتبنا ويستنهض فينا ما تبقّى من إنسانيتنا. النشيج هنا ليس صوتاً عابراً، بل شهادة حيّة على لحظة انهيار، لحظة يتقدّم فيها الكائن نحو نهايته وهو يطلب فقط أن يُسمع، أن يراه أحد قبل أن يبتلعه العتم.

يتابع الشاعر ترسيم المشهد:

“يتهادى في منعطف النهر
بلا نوتي
في المنحدر”

إنها صورة شديدة الإيحاء. كائن يتحرك ببطء، كمن استسلم لقدره، يترك النهر يقوده في منعطف خطر، بلا نوتي، بلا يد تحمي، بلا بوصلة. وهنا تتجلى قسوة الصورة: ليس الخطر في المنحدر، بل في غياب الموجّه، في غياب من يمسك بالعمر كي لا يسقط.

ثم يصل النص إلى ذروته الشاعرية:

“أظنني سمعته يغنّي
كبجعة أصابتها رصاصة الصيّاد
في أرضٍ غريبة!”

يا لروعة هذا التشبيه! البجعة — رمز الطهر والصفاء — لا تصرخ حين تُصاب، بل تغنّي. تغنّي لأنها تعرف أن صوتها الأخير هو ما سيبقى، ولأن رصاصة الغدر لا تستطيع أن تنتزع من الكائن جماله الأخير. والأقسى من الرصاصة هو الاغتراب: أن تموت البجعة في أرض ليست أرضها، بلا شجرة تعرفها، ولا ماء اعتادته، ولا عين ودودة تُغمض عنها الألم.

هكذا يكتب أسامة ملحم: يصنع من لحظة الوجع مرآة نرى فيها أنفسنا. نحن الذين نتهادى في منعطفات الحياة، منحدرين أحياناً بلا نوتي، محاولين أن نُصدر في أوج هشاشتنا أغنيةً ما، شهادةً ما، تقول إننا مررنا من هنا.

قصيدة مكثفة، مشغولة بصدقٍ عميق، تضع الإنسان أمام هشاشته من دون ادّعاء، وتعيد الاعتبار للألم كقيمة وجودية، لا كمأساة فحسب. إنها من تلك النصوص التي لا تُقرأ مرة واحدة، لأنها تترك في القلب صدى، وفي الذاكرة صورة، وفي الروح سؤالاً:


هل استمعنا فعلاً إلى نشيج كل من تهاوى حولنا، أم كنّا منشغلين بالعالم إلى حدٍّ جعلنا نفوّت أغانيهم الأخيرة؟

شاهد أيضاً

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

أبو العينين من نهر البارد : مستقبل غزة لا يبنى إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تحت مظلة الشرعية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية

شفا – إحياءً للذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار”، وتحت عنوان …