1:44 مساءً / 5 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

ثلاثةُ أيّامٍ للمعرفة… وزمنٌ كاملٌ للقلق ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

ثلاثةُ أيّامٍ للمعرفة… وزمنٌ كاملٌ للقلق ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

يولد الصباح في فلسطين كما لو أنه يتفقد قدرة الإنسان على احتمال هذا القدر من التناقض: نبحث عن معنى يتجاوز هشاشتنا، ونقاوم في الوقت نفسه فكرة أن نكتفي بما هو أقل مما نحتاجه كي نبقى واقفين. وفي قلب هذا التوتر، يقف التعليم محاصراً بثلاثة أيام فقط، كأن الزمن نفسه ينكمش أمام أعيننا ويختبر قدرتنا على حماية ما تبقى من المستقبل.

لم تعد الحياة تمنح فسحة للفهم أو للترتيب الهادئ. إنها تمضي بسرعة، وتترك خلفها ابتسامة متعبة على وجه مدرسة تحاول أن تبقى حيّة رغم ضيق الأيام. ومع ذلك، يتمسّك الناس بخيطٍ من الأمل، كأن التعلق بالحياة أصبح فعل مقاومة معرفية وليس مجرد رغبة عابرة.

في هذا المشهد، لا تأتي السعادة بوصفها حالة مكتملة، بل تظهر في لحظات صغيرة: طفل يتقن مهارة كنت تظن أنها تحتاج أسبوعاً، معلم ينجح في انتزاع درس من بين الفوضى، أمّ تقنع ابنها بأن المعرفة يمكن أن تنبت حتى في التربة القليلة.لكننا نعرف أن الومضات وحدها لا تبني شعوبًا.

والخطر الأكبر هو الاعتياد. فالاعتياد على النقص هو العدو الصامت الذي يحوّل المؤقت إلى دائم، ويجعل القصور ظاهرًا بمظهر الطبيعي. وحين يتصالح المجتمع مع نقص التعليم، يبدأ الانهيار من حيث لا يشعر أحد.

العقل يضع الحقائق أمامنا بوضوح مؤلم: فاقد تعليمي يتسع، مهارات أولية تتراجع، إيقاع معرفي يتفكك، وسنوات أساسية تتعرض للتآكل الصامت. لكن القلب، رغم القلق، يدفعنا للاستمرار؛ لأن توقف التعليم ليس تراجعاً في مستوى الخدمات، بل تراجع في معنى الوجود نفسه.

وهنا يتضح أن المشكلة ليست عدد الأيام فقط، بل ما يتعرض له جوهر التعليم من تهديد. فالتعليم الذي يفقد انتظامه يفقد شيئًا من روحه؛ لأنه ليس مجرد نقل معلومات، بل ممارسة يومية تُعيد تشكيل وعي الطفل، وتبني خياله، وتهذب سلوكه، وتمنحه الإحساس بالاتساق مع ذاته ومع العالم. ثلاثة أيام لا تكفي لنسج هذا الجوهر، لأن المعنى يحتاج إلى إيقاع يشبه التنفّس؛ وحين يتقطع التنفس، يتقطع معه امتداد المعرفة إلى الحياة، وتنكمش المدرسة من كونها فضاءً لبناء الهوية إلى مجرد محطة عابرة.

والوطن، كما لو أنه يعيد تعريف الغربة بطريقة معكوسة: البعيد يخاف على القريب، والقريب يخاف على المعنى، والمعنى نفسه يبحث عن موطئ قدم في أيامٍ ثلاث. فالخسارة هنا ليست في نقص الزمن، بل في اتساع المسافة بين ما نريده لأطفالنا وما يمكن للثلاثة أيام أن تحققه.

أما الأطفال، فهم المرآة الأكثر صدقًا لهذا الواقع. وجوههم المشرقة بأكثر مما تسمح به الأيام القليلة، وفضولهم الذي يسبق الزمن بخطوات، يشبه جذورًا تطلب ماءً أكثر مما يقدمه هذا العالم. والأمم التي تُجفَّف منابت صغارها لا تخسر جيلًا فحسب، بل تفقد صورتها قبل أن تفقد مستقبلها.

وفي عمق كل هذا، يبقى الألم هو الصوت الذي لا يمكن تجاهله. ليس ألم الوجود، بل ألم المعرفة الناقصة:
ألم أن يتسرّب المستقبل من بين ساعات قليلة، وأن تتقلص المساحة التي يتنفس فيها العقل، وأن يتحول التعليم من حقّ يومي إلى استثناء أسبوعي.

ومع ذلك، ما زالت الإرادة حاضرة، كجذر لا يُقتلع: إرادة تقول إن هذه المرحلة لا يجب أن تتحول إلى قدر،
وأن استعادة الزمن التربوي ليست مطلبًا إداريًا، بل شرطًا لشفاء مجتمع يرفض أن يتخلى عن أبنائه، ومهمة ضرورية لإعادة بناء معنى التعليم قبل أن تتمدد الفجوة بين ما نعلّمه وما نحلم به

شاهد أيضاً

أمين سر حركة فتح إقليم لبنان رياض أبو العينين يزور السفارة الجزائرية في بيروت

أمين سر حركة فتح إقليم لبنان رياض أبو العينين يزور السفارة الجزائرية في بيروت

شفا – في إطار فعاليات الحملة الأهليّة لنصرة فلسطين، ولمناسبة ذكرى استقلال الجزائر، قام أمين …