
حين يصبح التعليم مقاومة : حكاية الصمود الفلسطيني في مدارس محافظة سلفيت ، بقلم : د. عمر السلخي
في محافظة سلفيت، التي تتربع على تلال محاطة بالمستوطنات والحواجز وجدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية، لا يُعتبر التعليم مجرد حقٍّ من الحقوق، بل هو شكلٌ من أشكال المقاومة اليومية. فهنا، بين أزقة القرى والبلدات التي تتناثر فيها المدارس بين الجبال، تُكتب قصة إصرارٍ فلسطيني لا يعرف الانكسار، حيث يتحدى المعلم والطالب معًا كل أشكال الحصار ليبقى صوت الجرس معلنًا أن الحياة مستمرة.
بيئة تعليمية محاصرة واستيطان متسارع
تُعدّ محافظة سلفيت من أكثر محافظات الضفة الغربية تضررًا من التوسع الاستيطاني، إذ تُطوّقها المستوطنات من الجهات كافة ، ٢٤ مستوطنة و١٠ بؤر استيطانية تجثم على اراضي محافظة سلفيت يواجهها ١٨ تجمع فلسطيني. هذا الواقع الجغرافي الصعب انعكس مباشرة على التعليم، فالكثير من الطلبة يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم عبر طرق التفافية وحواجز عسكرية.
ورغم هذه التحديات، تحرص مديرية التربية والتعليم في سلفيت على ضمان انتظام الدوام المدرسي وتطوير البيئة التعليمية حتى في المناطق المصنفة (ج)، حيث تُقام مدارس بجهود وطنية خالصة وبإصرار الأهالي الذين يصرّون على تعليم أبنائهم مهما كانت الظروف.
مدارس تتحول إلى منابر للإبداع والصمود
تحوّلت مدارس محافظة سلفيت إلى منارات للإبداع، لا مجرد قاعات للدراسة. ففيها وُلدت مبادرات نوعية تركّز على التعليم البيئي والزراعة المدرسية والمسرح التربوي والأنشطة الكشفية التي تغرس قيم الانتماء والمبادرة.
وقد حصدت مدارس المحافظة مراكز متقدمة في مسابقات الروبوت، والإبداع العلمي، والمناظرات، ما يعكس إرادة قوية تتحدى ضعف الإمكانات وقسوة الواقع.
ويقول أحد مديري المدارس في كفر الديك: “مدرستنا ليست فقط مكانًا للتعليم، بل ساحة نواجه فيها الاحتلال بالعلم والنجاح.”
المعلم الفلسطيني… جندي على جبهة المعرفة
يخوض المعلمون في محافظة سلفيت معركتهم الخاصة كل صباح، بعضهم يعبر الحواجز سيرًا على الأقدام ليصل إلى مدرسته في القرى الغربية.
ومع ذلك، يبقى المعلم رمزًا للصمود، يزرع في طلبته الأمل والاعتزاز بالهوية، ويغرس فيهم حبّ الوطن من خلال الدروس والمبادرات الوطنية.
طلبة محافظة سلفيت… سفراء تميّز في جامعات الوطن
تُثبت التجربة أن طلبة سلفيت يواصلون مسيرة التميز خارج حدود المحافظة أيضًا، فالكثير منهم يتفوق في الجامعات الفلسطينية والعربية، وينخرط في مجالات القيادة المجتمعية والأكاديمية، وليس غريبًا أن نجد خريجي المحافظة في مواقع متقدمة من البحث العلمي، والهندسة، والطب، والإدارة، حيث يواصلون رفع اسم محافظة سلفيت عاليًا في كل المحافل.
تعليم يواكب التنمية رغم التحديات
تعمل مديرية التربية والتعليم بالشراكة مع البلديات ومؤسسات المجتمع المدني على توسيع نطاق التعليم المهني والتقني، بما يتناسب مع خصوصية المحافظة الجبلية والزراعية.
فقد أُنشئت في السنوات الأخيرة مراكز تدريب حديثة لدعم الشباب والشابات بمهارات عملية تعزز فرصهم في سوق العمل، وتربط التعليم بالاقتصاد المحلي، في خطوة تعكس وعيًا تنمويًا يتجاوز حدود الصفوف الدراسية.
التعليم في سلفيت… مقاومة بالأمل والمعرفة
من بين الجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة، يعلو صوت الجرس المدرسي كل صباح كإعلانٍ عن انتصار الإرادة على الاحتلال، فكل معلمة تصل رغم المنع، وكل طالب يحمل حقيبته عبر الطريق الوعر، هو بحدّ ذاته فعل مقاومة.
التعليم في محافظة سلفيت لا يقتصر على الحروف والكتب، بل هو مشروع وطنيّ للكرامة والصمود، يبرهن أن بناء الإنسان الفلسطيني هو الخطوة الأولى نحو التحرر والبقاء.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .