
منصات تافهة.. وتخشى الحقيقة … ، بقلم : معمر يوسف العويوي
في زمنٍ صارت فيه المنصات أكثر من القضايا، والكلمات أكثر من المعاني، يبدو أن كثيرًا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد فقدوا البوصلة.
يتسابقون في نشر التافه والساقط من المقاطع والمنشورات، بينما يخافون من كلمة وطنية أو موقف صادق يُغضب الاحتلال أو يخالف “الترند”.
أصبحنا نعيش مفارقة مؤلمة: يتجرأ البعض على التفاهة ويجبن أمام الوعي، يلهث خلف “الإعجابات” و”المشاهدات”، وكأنها شهادة على الوجود، بينما الصدق والوعي يمران في صمتٍ بلا جمهور.
غدت الشهرة هدفًا بحد ذاتها، لا وسيلة لنشر الخير أو الحقيقة، حتى صار نشر التافه أحبّ إلى الناس من قول كلمة الحق، مع أن الحق هو الأحب إلى الله.
والمؤسف أن هذا التراجع لم يعد حكرًا على المستخدمين العاديين، بل امتد إلى بعض النخب والمثقفين وأصحاب المنابر، الذين يشاركون — بوعي أو بغير وعي — في صناعة الفراغ وتجميل الصمت، بدل أن يكونوا قدوة في الموقف والكلمة.
باتت “الحيادية” غطاءً للهروب من الموقف، و”المجاملة” قناعًا لتجنب قول الحقيقة.
كم نحتاج اليوم إلى روح ناجي العلي، الذي رسم الحقيقة بريشةٍ لا تعرف المواربة، فغرزت في القلب والذاكرة معًا.
كان جريئًا بلا صخب، وصادقًا بلا حسابات، فخلّدته المواقف لا “المشاهدات”.
أما اليوم، فقد امتلأت المنصات بأقلامٍ تصنع الضجيج وتنسى الوعي، ووجوهٍ تُزيّف المعنى تحت لافتة “الترفيه” و”الترند”.
لقد صار الخوف من “منشور وطني” أو “إعجاب صادق” شكلًا جديدًا من أشكال الاحتلال: احتلال الوعي والضمير.
حين نخشى الكلمة أكثر مما نخشى الظلم، وحين نغضّ البصر عن الباطل لأننا نخاف خسارة متابعين، نكون قد خسرنا أنفسنا قبل أن نخسر الوطن.
إن مسؤوليتنا جميعًا أفرادًا ونخبًا أن نعيد للكلمة معناها، وللجرأة قيمتها، وأن نؤمن بأن الوعي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بقدرة الكلمة على قول الحق.
فالجرأة ليست في الضجيج، بل في الصدق حين يصمت الجميع