2:05 مساءً / 23 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

تراتيل عزاء البحر لدينا سليم حنحن ، عزف على أوتار الموج والذاكرة ، بقلم : رانية مرجية

تراتيل عزاء البحر لدينا سليم حنحن… عزف على أوتار الموج والذاكرة ، بقلم : رانية مرجية

مدخل عام


حين تمسك بـ تراتيل عزاء البحر، فإنك تدخل فضاءً كتابيًا يتجاوز حدود النص الأدبي التقليدي، ليصبح أشبه بطقس روحي ولغوي يزاوج بين العزاء والترتيل، بين المأساة والابتهال. العنوان نفسه يفتح بوابة رمزية واسعة: البحر ليس مجرد فضاء جغرافي، بل كائن حي يشاركنا الحزن ويصبح مرآة لخيباتنا وأحلامنا المبتورة.

البنية الفنية


الكتاب يتشكل من نصوص متراوحة بين الشعر والنثر، لكن ما يميّزه هو انسيابية الانتقال بين الصور الشعرية واللغة السردية. يحرص الكاتب على خلق جمل مكثفة، لا تعرف الحشو، لكنها غنية بالإيحاءات.
تتوزع النصوص على إيقاعات متباينة:

نصوص قصيرة كومضات برق، تنقل شعور اللحظة الخاطفة.

نصوص طويلة أقرب إلى التراتيل، تتصاعد فيها النبرة الشعورية حتى تبلغ ذروة انفعالية.

الموضوعات المحورية

  1. البحر بوصفه أيقونة للحزن والأمل
    البحر هنا ليس رمزًا للجمال أو السفر فحسب، بل وعاء يحتضن المفقودين، ويعكس صمتهم المهيب. يرد البحر في النصوص كقبر واسع، وكأفق يَعِد بالنجاة، لكنه يظل غامضًا ومخيفًا.
  2. الذاكرة والغياب
    الكتاب محمل بذكريات تتقاطع فيها التجربة الفردية مع الجماعية. هناك إحالات إلى فقد الأحبة، إلى رحيل غير مفسر، وإلى مدن وأمكنة تحولت إلى أطلال، مما يجعل النصوص تنبض بحنين موجع.
  3. البعد الإنساني والكوني
    اللغة لا تنغلق على المحلّي، بل تتسع لتطرح أسئلة وجودية: معنى الغياب، هشاشة الحلم، وحدود الصبر. هناك نبرة إنسانية تجعل القارئ، أيًا كانت خلفيته، قادرًا على التماهي مع الألم الموصوف.

اللغة والأسلوب


يستثمر المؤلف جمالية المفردة العربية الفصيحة، دون أن يقع في التكلف. تتجاور الصور البلاغية مع المشهدية البصرية، فتتشكل لوحات لغوية غنية:

“تغفو الأمواج على أكتاف القمر، كطفل أنهكه البكاء.”

كما نلحظ استخدام التضاد (الحياة/الموت، النور/العتمة) لزيادة شحنة التوتر الشعوري، وهو ما يمنح النصوص بعدًا فلسفيًا.

البنية الرمزية


الرموز في الكتاب ليست زخرفية، بل وظيفية:

البحر: الحزن العميق والاحتواء.

الملح: دموع متجسدة.

النجوم: الأمل البعيد أو الأرواح المعلقة في السماء.

هذه الرموز تتكرر بتناسق، مما يخلق وحدة دلالية تعمّق أثر الكتاب.

القيمة الفنية والفكرية


“تراتيل عزاء البحر” ليس مجرد عمل أدبي، بل شهادة وجدانية على أن اللغة قادرة على أن تكون مرثية وحياة في آن واحد. قوته تكمن في صدقه العاطفي، وفي بساطته المركبة التي تمكّنه من ملامسة وجدان القارئ مباشرة.

خاتمة


إن هذا الكتاب يليق بأن يُقرأ ببطء، كما لو كان ترتيلة مسائية على شاطئ مهجور. إنه نص يُصغي فيه البحر إلينا، ونصغي نحن فيه إلى ذاكرتنا الداخلية. ومن هنا، فإن تراتيل عزاء البحر يظل إضافة لافتة إلى المكتبة العربية، لأنه يزاوج بين الشعر والفلسفة، بين الرثاء والرؤية، في توازن نادر.

شاهد أيضاً

الصين تتخذ إجراءات ملموسة لقيادة التنمية الخضراء العالمية والتعاون في مبادرة الحزام والطريق

الصين تتخذ إجراءات ملموسة لقيادة التنمية الخضراء العالمية والتعاون في مبادرة الحزام والطريق

شفا – تعمل الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، تعمل على إعداد …