
من هاشتاغ التضامن إلى صدمة الفوضى.. كيف أثرت صور غزة على موقف العالم؟ ، بقلم : مريم شومان
قبل أشهر قليلة، كانت صور الأطفال تحت الركام والأمهات المفجوعات في قطاع غزة تملأ الشاشات وتحرك ضمائر الملايين حول العالم، امتلأت المنصات الاجتماعية بالهاشتاغات الداعمة وخرجت التظاهرات من نيويورك إلى طوكيو تطالب بوقف العدوان. حينها بدت القضية الفلسطينية في ذروة حضورها الإنساني والإعلامي، مدفوعة بفيض من المحتوى الرقمي الذي جعل المواطن الفلسطيني في غزة رمزًا للمعاناة والصمود.
لكن المشهد تغير بسرعة؛ فبين صور العدوان التي هزّت الضمير العالمي؛ بدأت تظهر على المنصات نفسها مشاهد أخرى من داخل القطاع توثّق إعدامات ميدانية نفذتها مليشيا حماس بحق مواطنين.
صور صادمة أربكت السردية التي تشكلت بعناية عبر أشهر طويلة من الحرب، وفتحت بابًا واسعًا أمام الجدل والتشكيك وحتى التحول في المواقف.
في زمن المنصات، الصورة لا تنتظر التفسير، ما يُنشر في لحظة يمكن أن يقلب موازين الرأي العام العالمي في لحظة أخرى، فبينما نجحت الحملات الرقمية سابقا في تحويل الفلسطيني إلى أيقونة للنضال ضد الظلم والاحتلال، جاءت هذه المشاهد لتربك المشهد كله، وتغري الإعلام الغربي بإعادة صياغة الرواية من جديد: من الضحية إلى الفوضى، ومن المظلومية إلى مشهد “الوحشية”.
كثيرون يرون في ذلك خطرًا مضاعفًا على القضية الفلسطينية، فالقضية التي واجهت لعقود محاولات التشويه والطمس تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد من داخلها، لا يقل قسوة عن آلة الاحتلال، التحول السريع في السردية الذي صنعته خوارزميات المنصات بات يهدد بتآكل التعاطف الذي بُني بصعوبة، ويمنح خصومها فرصة لتبرير الجرائم أو التهوين منها أمام الرأي العام.
ومع أن أصواتًا فلسطينية، سعت لتوضيح ما يجري من ناشطين وأفراد غيورين على صورة الفلسطيني رافضين أن تذهب الأثمان التي دُفعت على مدار عامين سدى، إلا أن منصات الحرب لا تنتظر الرواية الكاملة، فالعالم بات يقرأ المأساة عبر مقاطع قصيرة، عابرة، ومجزوءة من سياقها. في هذه المساحة الرمادية بين الحقيقة والدعاية، تضيع التفاصيل وتُختزل القضية في لقطة واحدة.
السؤال اليوم لا يتعلق فقط بما حدث في غزة، بل بما حدث لصورة غزة في عيون العالم، كيف يمكن استعادة سردية العدالة في زمن السرعة، حين صار المحتوى سلاحًا، والهاشتاغ معركة، والصورة ساحة حرب لا تقل خطورة عن الميدان؟
وفي زمن تتحول فيه اللقطة إلى رواية؛ من المهم معرفة أن الذاكرة الرقمية لا تُمحى بسهولة، ومن هنا فإن فلسطين ككل، وغزة على وجه الخصوص بحاجة إلى من يحمل صورتها الحقيقية وسط ضجيج الفوضى. فليست كل المشاهد تعبر عن الحقيقة، ولا كل الروايات تنصِف المأساة.
وفي خضمّ تدفق المحتوى وتحول الخوارزميات إلى صانع للرأي؛ تبقى سردية العدالة الفلسطينية بحاجة إلى من يرويها بوعي ومسؤولية، لا بعاطفة عابرة أو غضب مؤقت، فالمعركة اليوم لم تعد فقط على الأرض، بل على الشاشة أيضا؛ حيث تُكتب ذاكرة الشعوب وتُختبر ضمائر العالم.