11:55 مساءً / 11 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

عاد الشتاء ليطرقَ باب طفولتي من جديد ، بقلم : غدير حميدان الزبون

عاد الشتاء ليطرقَ باب طفولتي من جديد

“عاد الشتاء ليطرقَ باب طفولتي من جديد” ، بقلم : غدير حميدان الزبون

في مساءٍ يشبه شرفةً تطلّ على آخر أنفاس العام، وفي الحادي عشر من كانون الأوّل تحديدًا، كان الشتاء يقترب ويعرف السرّ جيدًا، ها هو يزحف على الزجاج فيُعيد ترتيب الذاكرة، ويعيدني معه إلى قلمٍ صغيرٍ نسيته يوم كبرتُ فجأة وتعبت، وتعبت السنة من حمل أيّامها الثقيلة، وتهيّأت لتسلّم مفاتيحها إلى عامٍ يقف على العتبة بفضول طفلٍ يخطو أولى خطواته.


هبط الشتاء مثل ضيفٍ طويل الظلّ، وربّت على النوافذ بأنامل باردة، وطلب الدخول دون أن يطرق.
مددتُ له قلبي قبل أنْ أفتح الباب، نسيتُ أنْ أخبركم فبيني وبينه معاهدة سرّية لا تُكتب: سلامٌ مؤقّت بين روحٍ تنضج قسرًا، وفصولٍ تعرف كيف تعيد الأشياء إلى أصلها الأول.


في اللحظة التي تلمع فيها السماء كصفحة كتابٍ مبلّلة، تذكّرتُ قلم الطفولة، ذاك الرفيق الخفيف الذي لم يكن يعرف الخوف، ولا كان يتردّد قبل أنْ ينسكب على الورق مثل جدولٍ صغيرٍ خرج لتوّه من حضن غيمة.
كم اشتقتُ إليه.


اشتقتُ لطهارته حين كان يكتب بلا حسابات:


كان يرسم القمر بسذاجة جميلة، ويُهدي الشمس ضفيرتين من ضوء، ويمنح الشتاء قلبًا أزرق كي لا يبرد.
أحنّ لذلك القلم الذي لم يكن يرى العالم إلا من نافذة الدهشة:


نافذةٍ يركض عندها عصفور صغير ويصرخ: انظروا، الحياة ما تزال تركض!


ومع اقتراب عامٍ جديد، أشعر بأنّني أحاول استعادة تلك الطفلة التي تركتُها منذ سنين عند أول مفترق صعب.
أحاول أن أطرق بابها كما يطرق الشتاء نافذتي الآن، وأقول لها:
هيا، لنكتب من جديد.


نكتب ونتخيل العالم لعبة من ورق،
والكلمات أرجوحات معلّقة بين الغيم والضحك.


إنّ شوقي لقلم الطفولة وللطفلة التي لا تزال تحملُ قلمي وتنتظر عند صحن البئر الأولى حنينٌ لنقاءٍ فقدتُه وأنا أتعلم كيف أحمل وزر السنوات.
حنينٌ لجرأة قلبٍ صغير لم يخَفْ من بياض الصفحة،
ولم يكن يعرف معنى الفقد،
ولا كيف يصبح الحرف زائرًا مثقلاً بالتجارب.


فالآن، في هذا المساء البارد، أجلس في حضرة الشتاء وأعقد معه هدنة، وأستعيد صوت القلم القديم وهو يحفر حكاية أولى، ويهمس لي من بعيد:


ما زالت فيك تلك البراءة، فقط افتحي الباب ليعود.


وهكذا، بينما تتساقط الأيام الأخيرة من العام مثل أوراق تقرأ نهايتها، أفتح للأمل نافذة، وأترك الطفلة القديمة تركض داخلي من جديد، حاملة قلمها المبلّل بالندى، ليكتب عامًا يولد من رحم الدفء، ويشهد ميلاد روحٍ تتصالح مع الفصول، ومع ذاتها، ومع شوقٍ لا يشيخ.

شاهد أيضاً

وزير الخارجية الصيني: الصين تعتزم العمل مع الآسيان على مواءمة استراتيجيات التنمية ومقاومة التنمر أحادي الجانب

وزير الخارجية الصيني: الصين تعتزم العمل مع الآسيان على مواءمة استراتيجيات التنمية ومقاومة التنمر أحادي الجانب

شفا – قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اليوم الخميس إن الصين تعتبر رابطة الآسيان …