10:21 مساءً / 16 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

“الطين المعجون من قهر ومعاناة” ، ثيمات وتساؤلات وخيبات عالقة بين الركام والقيود والهوى ، قراءة في رواية “سلالة من طين” ، للكاتبة قمر عبد الرحمن ، بقلم : مصطفى شقرة

"الطين المعجون من قهر ومعاناة" ، ثيمات وتساؤلات وخيبات عالقة بين الركام والقيود والهوى ، قراءة في رواية "سلالة من طين"

“الطين المعجون من قهر ومعاناة” ، ثيمات وتساؤلات وخيبات عالقة بين الركام والقيود والهوى ، قراءة في رواية “سلالة من طين” ، للكاتبة الفلسطينية قمر عبد الرحمن ، بقلم : الكاتب السوري مصطفى شقرة

“كان ليلًا مليئًا بالأسئلة، من يرفع سكّين الظّلم عن أعناقنا؟ من يدير وجه الموت عن قلوبنا؟ من يحمل حفرة القبر بعيدًا عن أجسادنا؟ هذه الحفرة تدفن الأمنيات بالجملة، ويجعلها بعيدة المنال، من يخلّصنا من مجاهل الصّحراء هذه؟ من يقول لنا -غير الله- أنّ هناك بابًا يومًا ما سيُفتح ويعطينا بارقة أمل، أمل يردّنا إلى أنفسنا، أمل يحرّك المزلاج ويزحزحه قليلًا مِن صدئه الذي علاه كلّ هذا الزّمن البطيء القاتل؟!”


من رواية سلالة من طين للروائية قمر عبد الرحمن.

تمهيد لابد منه:


“الأسئلة المُقيدة: صرخات الألم بين الموت والحياة”


أحببت أن أبدأ قراءتي لهذه الرواية من هذا المقطع المؤلم، المليء بتساؤلات تتأرجح بين الموت والحياة والوجود، وكأنها صرخة عميقة من روحٍ تكابد الألم. لم تكن أسئلة الكاتبة مجرد علامات استفهام عابرة في النص، بل تحولت إلى مشانق خفية تكبّل كل إجابة محتملة. كل سؤال في هذا المقطع كأنه معلّق عند آخر حرف، محمل بثقل المأساة والقسوة التي تجتاح أرواح شخصيات الرواية، كل حرف، كل استفهام، يمثل جرحًا جديدًا، يفتح نافذة على الألم والمرارة التي يعيشها الإنسان الفلسطيني.

تطرح الكاتبة تساؤلاتها بأسلوب درامي مُرّ: من سيرفع سكين الظلم عن أعناقنا؟ من سيحمينا من الموت الذي لا يكل عن التربص بنا؟ هذه الأسئلة تتراقص في فضاء قاتم، تبحث عن إجابة لا يمكن بلوغها إلا في لحظة الانكسار، تتحول علامات الاستفهام، التي كانت يومًا مجرد رموز بسيطة، إلى مشانق تحيط برقابنا، تكاد تخنق الأمل في قلوبنا. وفي ظل هذه الأسئلة، لا نجد سوى القتل الصامت الذي ينهش كل ما هو حي، وكأن الأجوبة قد ماتت قبل أن تولد، وكأن لكل سؤال جوابًا فقده الرصاص قبل أن يُطرح، كما لو أن الموت سبق كل محاولة للبحث عن حياة أو أمل.

هذا المقطع يجسد واقع العيش في فلسطين بمرارة، حيث الموت لا يميّز بين صغير وكبير، بين شاب في ريعان العشرين أو شخص مرهق في الخمسين. الرصاص والقذائف والصواريخ لا تفرق بين مولود جديد وآخر يوشك على الرحيل. هنا، الموت هو من يحدد الأعمار، لا الزمن ولا الحياة.

بهذه الطريقة، تصبح التساؤلات التي نطرحها في حياتنا أصواتًا تصرخ في الفراغ، تتناثر دون أن تجد أذنًا صاغية، هي صرخات ألم تنبع من قصف داخلي في الروح، تعصر القلب وتغصّ بالحنجرة. تتنقل بين خيال مشوش وواقع مرير، لتجسد لقاء الأمل باليأس، وامتزاج الأماني بالهزائم اليومية، وبينما تحلق هذه الأسئلة في فضاء الخيال، فإنها تبقى محكومة بالواقع الراهن، الواقع الذي يشدها إلى الأرض ويقيدها بمرارة لا سبيل للفرار منها.


هذا المقطع يشكل انعكاسًا صادقًا للعنف المستمر، والقيود التي تكبل الأرواح في هذه الأرض. إنه يشير إلى حياة تشبه السجن الكبير غير المرئي، حيث لا ترى القيود بعينك، لكنها تشعر بها في كل خطوة، هذه القيود تمنع الشخصيات من الفرار نحو الحرية، فلا مفرّ من هذا الواقع القاسي، الرواية هنا لا تزيّن الحقيقة ولا تضخم الخيال، بل تقدم الواقع كما هو: صراع دائم بين الحياة والموت، بين الأمل الضائع والدماء التي لا تتوقف عن النزف.

عنوان وغلاف الرواية:


“سلالة من طين: غلاف يحكي ما لم يُقال وإسقاطات رمزية عميقة”


ننتقل الآن للحديث عن عنوان الرواية وغلافها، اللذين يشكّلان معًا لوحة فنية متكاملة تكمل رؤية الرواية وتترجمها بصريًا، الغلاف هنا ليس مجرد غلاف، بل هو البوابة الأولى التي ندخل من خلالها إلى عالم الرواية، نافذة تُلقي بوميض من الضوء على أجوائها قبل أن نغوص في تفاصيلها العميقة، لذلك كانت للكلمة والعنوان أهمية خاصة؛ فالعنوان هو المعبر الأول إلى قلب الرواية، يحمل بين طياته الرمزية والدلالات العميقة التي يُسطرها النص.

عنوان الرواية، “سلالة من طين”، يخبئ في جوفه معنىً عميقًا، فالإنسان هنا ليس سوى مخلوق طيني، كما في الأسطورة القديمة؛ يولد من الأرض ويعود إليها، مدفونًا في دورة الحياة والموت التي لا تنتهي، في غزة، الولادة غالبًا ما تأتي في ظل واقع مؤقت، بينما النهاية متوقعة ومتقاربة، متصلة بالموت. العنوان يُجسّد هذه الدورة: السلالة التي تولد هي نفسها التي تموت، دورة مغلقة بين الحياة والمقبرة، بين الأحياء والأموات. ففي هذه الأرض، قد يولد طفل في حيّ ما، وفي مكان قريب يُدفن طفل آخر نتيجة الحرب والدمار، فتتداخل الولادات بالموت، وتصبح الحياة مرهونة بالرصاص والنيران في آنٍ واحد.


لكن “سلالة من طين” لا تعني مجرد أفراد ينتمون إلى أسر أو قبائل معينة، بل تشير إلى سلالة واحدة تشمل كل سكان غزة، سلالة التراب الذي يصنع الإنسان. الطين هنا ليس مجرد مكونات أرضية، بل هو رمز للإنسانية الجامعة، التي لا تفرق بين أحد وآخر. في غزة، يولد الإنسان من تراب ويعود إليه، والطين يجمع الجميع تحت سماء واحدة، حيث لا فرق بين صغير وكبير، بين مولود وآخر يفارق الحياة. هذه السلالة الطينية، المحكومة بالألم والمصير، لا تملك من الحياة سوى الصراع، ولا من النجاة سوى مقاومة آلة الحرب القاتلة.


بالنسبة للعنوان الفرعي”غزة الباكية” وهو تجسيد لفكرة أن غزة الأرض تبكي من يعيش عليها، نيابة عن العالم الذي يشاهد ويتابع من خلف الشاشات كل هذه الالآم دون أن يكترث.

أما الغلاف، فيعكس هذا المعنى بصريًا بشكل بديع. ينقسم الغلاف إلى شقين: الأمامي يحمل اللوحة الفنية بتفاصيلها، والخلفي امتداد بصري لوني يُكمل الصورة ويعزز الرسالة الرمزية التي يحملها. الخلفية تحمل لونًا أصفر فاقعًا يميل إلى البرتقالي، يشبه أشعة الشمس المحجوبة بسحابة من دخان أو رماد، كما في حالة الانفجارات أو الحرائق. هذا اللون ليس مجرد لون غروب، بل هو لون الموت ذاته، يعكس الدمار الذي يضرب غزة، ويُظهر الشمس مختفية خلف الرماد، الحياة التي تُختطف، والأمل الذي يُمحى بفعل القصف والدمار، متماشيًا مع أحداث الرواية التي تصور الحرب والدمار المستمرين.


الجزء الأمامي من الغلاف يقدم مشهدًا آخر يروي تفاصيل إضافية للرواية. السماء البرتقالية الفاقعة تعكس الحزن والكآبة التي تسيطر على المدينة بسبب انفجارات القصف، لتبدو كغروب ليس للشمس وحدها، بل لغروب الحياة نفسها، البحر في منتصف اللوحة يحمل تناقضات معقدة بين الحب والكراهية عند آدم، شاهدًا صامتًا على محطات الأمل وآلام الواقع الذي يعيشه بطل الرواية متجسداً بالإنسان.

ورغم أن الغلاف يصوّر القسوة والموت، فإنه يحمل أيضًا نفحة من الأمل. في الجزء السفلي يظهر رصيف يطل على البحر، محاطًا بحجارة سوداء، ومعه شجيرة خضراء، رمز للحياة والأمل التي تحاول التمسك بالوجود وسط الدمار، المقعد الذي يجلس عليه آدم، بطل الرواية، يعكس التباين الداخلي لشخصيته، بين الحب الذي يكنه للبحر بعد تعرفه على هبة والكراهية الناتجة عن الألم اليومي في ظل الواقع القاسي. اللون الأسود المحيط بالمقعد يرمز للحداد والحزن المستمر، مواكبًا رحلة آدم العاطفية التي تبدأ بالحزن العميق وتنتهي بأمل ضئيل.


الغلاف هنا ليس مجرد لوحة زخرفية، بل ترجمة حقيقية لروح الرواية، يعكس المعاناة والأمل، الدمار والحياة المتجددة، ويحث القارئ على الغوص في أعماق النص لاكتشاف المزيد. لا يكشف الغلاف عن كل أحداث الرواية مباشرة، بل يدعو القارئ لاستكشاف الدلالات الرمزية المختبئة بين السطور، ليصبح العمل الفني والغلاف معًا تكاملًا رمزيًا وتأويليًا يعزز من التجربة الأدبية ويعمّق تأثير الرواية على المتلقي.

مجموعة روايات وأحزان في رواية واحدة:


“ثيمات متشابكة: البحر والحب والموت وغيرها في مرايا غزة”


الرواية التي بين أيدينا تبدو وكأنها مرآة كبيرة تعكس واقع غزة، تنقسم إلى مرايا صغيرة، كل واحدة منها تحمل جزءًا من الحقيقة المعيشية لأهلها، هي رواية مكتوبة كما لو على أوراق قديمة مهترئة من شدة الألم والتجربة، الحروف فيها اختلطت بالجروح والدموع، وتطايرت هذه الأوراق في الهواء العاصف، فكل حكاية تبدو كورقة ممزقة تطير مع الريح، ضائعة في فضاء الزمان والمكان، لذلك، تبدو الرواية كأنها مجموعة قصص مترابطة بثيمات متعددة، لكنها متشابكة بمهارة الروائية المبدعة قمر، لتشكل نصًا نابضًا بالحياة والألم معًا.


الثيمة الأساسية التي تنطلق منها الرواية تتراوح بين الحياة والموت، الأمل واليأس، الحرب والحب، السجن والحرية. كل ثيمة تتجلى في أحداث الرواية لتعكس تجربة إنسانية مشتركة. تبدأ الرواية بثيمة العادات والتقاليد، حيث نرى مائدة العائلة وما يدور حولها من تفاصيل الحياة اليومية في الشرق، وبخاصة في غزة، هذه الثيمة تكشف عن عالم متمسك بعاداته وتقاليده، رغم كل ما حمله الزمن من تغيرات وتطورات ناشئة عن الحروب. السلطة هنا منصبة على الأب، الذي يقرر دون نقاش، وتظل الأسرة والمجتمع أسير هذه الأعراف القديمة.


بطلة هذه الثيمة هي مريم، التي تصبح ضحية لهذه العادات الجامدة،. زواجها غير المناسب والمعاملة القاسية دفعاها للهرب من منزل زوجها، لتلجأ إلى تقديم شكوى بمساعدة أخيها آدم. ومع تقدم الأحداث، تتكشف المأساة، حيث يقوم الأب، وفق سلطته وتقاليده، بقتل ابنته بحجة الشرف، تاركًا أثرًا عميقًا من الحزن والندم. وبعد أن يدرك الأب حجم فعلته، يدخل السجن مع زوجها العنيف، وتختتم هذه الثيمة بموت مريم، تاركةً وراءها ابنتها شفا، و حزنًا يثقل العائلة، ويكتمل الحزن بموت الأب الذي يكتوي بندم جريمته.


هكذا، تنتهي ثيمة العادات والتقاليد البالية، التي تنتقل من جيل إلى جيل دون أي تعديل، لتظل حاكمة على حياة الأفراد، وتستولي على إرادتهم، مريم هنا تمثل فقدان الهوية الفردية تحت وطأة سطوة المجتمع وأعرافه الجامدة.

ننتقل بعد ذلك إلى ثيمة البحر. وفاة مريم تجعل البحر محورًا عاطفيًا مهمًا بالنسبة لآدم. في البداية، كان يكره البحر، ويجعله مسؤولًا عن كل ما حل به من ألم. عندما اكتشف وفاة أخته، وجدها ممددة في الحمام، وامتزج دمها بالماء، فحفر ذلك المشهد في ذاكرته كرهًا عميقًا للبحر، بل إن البحر نفسه يصبح سببًا في فقدان أحد أشقائه، يوسف، الذي سقط في بئر، حيث ربط ماؤه بالبحر.


لكن البحر، مثل الحياة، يحمل إمكانية التحول. بمرور الوقت، يتحول كره آدم إلى حب لهذا البحر، بعد أن يلتقي بهبة، هبة، التي رآها على شط البحر ووصفها بأنها “قمر يمشي على سطح البحر”، تغيّر نظرته للعالم، فتتحول مشاعره تدريجيًا من الحقد إلى الحب، ويصبح البحر رمزًا للرومانسية والسعادة، وكأن قلب آدم يولد من جديد.

الثيمة الثالثة هي الحب، الذي يملأ حياة آدم بعد لقاءه بهبة في عيادة الأسنان وهي تعمل سكرتيرة، حين اصطحب والدته بعد معاناة من ألم في أسنانها لتبدأ معها قصة حب رغم فرق السنوات إلا أنها نضجت، البحر الذي كان يعكس غضبه وألمه يتحول إلى مصدر جمال وسعادة. هبة تصبح الأمل الذي ينقذ قلبه من الماضي المأساوي، وتنشأ بينهما علاقة حب صادق، تزدهر حتى يقررا الزواج، ليصبح الحب منقذًا من واقع الحرب والعنف المحيط بهما.


لكن الحرب، بثيمتها الثقيلة، تعود فجأة لتلقي بظلالها على حياة آدم وسكان غزة، القصف والتدمير يحولان كل شيء جميل إلى حطام، ومع كل قذيفة يولد موت جديد، لتصبح غزة مقبرة مستمرة. الحرب تمحو كل ما هو جميل، ويحل محلها الألم والأسى.

ثم تأتي ثيمة السجن، التي تجسدها قصة نضال، الذي كان يسعى لتحقيق حلم والده بأن يصبح طبيبًا. الحروب هنا تمنع الأحلام من أن تتحقق. نضال، الذي كان يطمح لدراسة الطب والعودة لغزة لمساعدة أهله، يُعتقل على أحد المعابر، ليقضي فترة طويلة في السجن. خلال هذه الفترة يسمع عن معاناة معتقلين آخرين، مثل أبو الوفا الذي أُعتقل بعد ولادة ابنته وفاء وبقي يعاني شوقاً لرؤيتها، وصديقه كفاح الذي قتل الاحتلال أسرته بقصف منزله، ثم لحقهم مقهوراً مُهاناً، هنا يصبح السجن رمزًا للحرية المفقودة، والموت المتربص بكل من يسعى للحياة.

وأخيرًا، ثيمة الحياة والموت، التي تتجلى في موت هبة ونجاة آدم. بعد نجاتها سابقًا هي وآدم من إحدى ليالي القصف الشديد، حين قررت أن تذهب مع آدم إلى البحر، وحدثت فاجعة قربهم باستشهاد العديد من الأطفال.


في رحلتهما الأخيرة، حيث أعطاها آدم أسوارة تحمل خريطة فلسطين، رمزًا لحبها له وللوطن. وحين طبع على وجهها قبلة الوداع أو الفراق لمّا زارته في بيته على الغذاء، لم يخطر في بالهم أن هجوم عنيف من الاحتلال، سيسلب من هبة وعائلتها الحياة، لتصعد روحها من تحت الأنقاض، وتبقي تلك الأسوارة شاهداً على حب لم يكتب له الاستمرار، ويجد آدم نفسه وحيدًا، محاطًا بالدمار والألم، ليستمر في مواجهة الزمن القاسي. ومع بداية الهدنة، يبدأ آدم فصلًا جديدًا، بعيدًا عن كل من فقدهم، محاولةً استعادة حياته من جديد.

في الختام: الرسالة الإنسانية والفلسطينية.


“غصن الزيتون المُفحم: أسئلة الحياة وإدانات الواقع في أرض لا تعرف الهدوء”


إنها رواية تنبض بالإدانة والحزن، تعبير عن وجع دائم، وأسطورة كُتبت بدماء الأسى، تأخذنا إلى قلب فلسطين، إلى عمق الأرض التي تحمل الألم والصمت في كل ذرة منها، الكلمات في هذه الرواية تصبح مرآة تعكس حياةً محكومة بالقهر، صورة صادقة لواقع قاسٍ لا يعرف الرحمة. الكاتبة تتنقل ببراعة بين طبقات لغوية متعددة، تمتزج فيها الفصحى المتقنة، التي تنسج الجمل بعناية ودفء، مع اللهجة الفلسطينية الأصيلة، لغة أهل غزة، الحاملة في طياتها مرارة الحياة وقوة الصمود.


كل كلمة في الرواية تنبض بالحياة، وكل جملة تعكس مرارة الاحتلال؛ هنا تتقاطع الألم والمعاناة مع الإصرار على البقاء، الفصحى تمنح النص العمق، واللهجة المحلية الفلسطينية تضيف له النكهة الإنسانية الحقيقية، وكأن الرواية ترتدي ثوب فلسطين المقدس، ثوب لم يتبق منه سوى خيط واحد، لكنه خيط متين لا ينقطع.

“سلالة من طين” ليست مجرد رواية، بل هي سلسلة من التساؤلات التي تهز الأعماق، أسئلة لا تجد إجابة حول واقع فلسطيني يعاني الظلم ولا يعترف بالعدالة، الرواية مبتورة الجواب، كما هو حال الواقع؛ ففي تلك البقاع التي تسكنها الذاكرة، يصبح التساؤل هو السلاح الوحيد، بينما تبقى الإجابة بعيدة المنال، هذا الواقع يشبه سجناً بلا قضبان، لكنه يسيطر على الروح ويقيدها بأشباح ومخاوف لا تنتهي، إنها قصة سجن الحرية، حيث يجد الإنسان نفسه محاصرًا بين جدران وهمية، تحاصر الفكر وتُثقل القلب كل يوم بأعباء العجز.


ورغم قسوة الألم، تظل الرواية محفورة في ذاكرة كل فلسطيني، كوشم لا يمحى، هي حداد مكتوب بلغة بليغة وحزينة، لكنها تحمل في طياتها عزاءً أدبيًا، يشبه الهدوء الذي يلي العاصفة، إذ ربما يكون الحزن بداية للشفاء، وربما يصبح مقاومةً صامتة، تثبت الوجود وسط الفوضى.


“سلالة من طين” هي نعوة من قمر عبد الرحمن، تحملها من أرض لا تعرف الهدوء لتصل إلى العالم، معبرة عن فلسطين التي تتألم تحت وطأة الظلم. إنها غصن زيتون متفحم، التهمته النيران الحاقدة، ومع ذلك تبقى الأسئلة معلقة: هل يمكن لهذا الغصن أن يزهر من جديد؟ وهل من الممكن أن يولد سلام في أرضٍ اعتادت الألم؟

شاهد أيضاً

رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع وفد فلسطيني أوضاع اللاجئين ومسار تسليم السلاح داخل المخيمات

شفا – استقبل رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، في السرايا الحكومية اليوم، وفدا فلسطينيا …