
سرطة ، القرية المنعزلة على التلة العالية ، بقلم: د. عمر السلخي
تتنوع الروايات حول أصل اسم سرطة، إذ يرجع بعض الباحثين التسمية إلى الفعل العربي سرط الذي يعني “ابتلع”، بينما يرى آخرون أنها كلمة سريانية الجذور مرتبطة بالمفردتين سرد بمعنى الخوف، وصرد بمعنى العزلة أو البرودة، وتنسجم هذه التفسيرات مع طبيعة موقع القرية التي تتخذ شكل تجمع صغير منعزل على تلة مرتفعة، ما يمنحها طابعًا هادئًا وباردًا مقارنة بالقرى المحيطة.
الموقع والحدود
تقع سرطة إلى الغرب من مدينة سلفيت، على بُعد 8.8 كيلومتر هوائي عنها، وترتفع نحو 376 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وتحدّها من الشرق حارس، ومن الجنوب بروقين، ومن الغرب بديا، ومن الشمال قراوة بني حسان، ويمنحها هذا الموقع خصوصية جغرافية فريدة؛ فهي نقطة التقاء بين عدة بلدات، وفي الوقت ذاته تحتفظ بخصوصيتها الريفية الهادئة بفضل ارتفاعها وتضاريسها المتدرجة.
المعالم التاريخية
1- مضافة سرطة… شجرة التوت التي جمعت الناس
تُعد المضافة أحد أبرز معالم القرية وأكثرها تجذّرًا في الذاكرة الجمعية لأهلها، ويوثّق حجرٌ تاريخي على مدخلها زمن بنائها بالنقش الآتي: “لا إله إلا الله محمد رسول الله، بناها المعلم سمور للشيخ مصلح أصلحه الله، سنة 1111 هـ”، وهو ما يوافق عام 1699م.
في وسط الساحة تقف شجرة توت ضخمة تشكل بأغصانها الممتدة أشبه بقبة طبيعية، وفي ظلها كان الأهالي يجتمعون في الأفراح والأتراح والمناسبات العامة، ويتسامر كبار السن ويتبادلون القصص والحكايات والشعر، أما مدخل المضافة فكان طويلاً تصطف على جانبيه مقاعد حجرية خصصت لاستقبال ضيوف القرية، وهو مشهد يجسد تقاليد الضيافة الفلسطينية الأصيلة.
2- مبنى دار حسين… البيت الذي أصبح متحف القرية
يجاور مبنى دار حسين المضافة، ويرجع تاريخه هو الآخر إلى سنة 1111 هـ، ليكوّن معها نواة العمران القديم في سرطة، ويمثل المبنى واحدًا من أقدم منازل العائلات الخمس التي شكّلت مجتمع القرية، وقد جرى ترميمه عام 2003 بتعاون بين مجلس قروي سرطة ومركز “رواق”، بتمويل من الوكالة السويدية للتنمية الدولية (سيدا)، تحوّل المبنى بعد الترميم إلى متحف تراثي يعرض تاريخ البلدة ومقتنياتها الشعبية، على مساحة بناء تبلغ 620 م² وساحات تمتد على 300 م²، ليبقى شاهدًا على الهندسة الريفية الفلسطينية في جبال الوسط.
أثر الاستيطان على قرية سرطة
تواجه سرطة واحدة من أشد موجات الاستيطان في محافظة سلفيت، بحكم توسع مستوطنة “بركان” والمنطقة الصناعية المقامة على أراضي المحافظة من جهتها الشرقية، فقد خسرت القرية خلال العقود الأخيرة مئات الدونمات لصالح التوسع الاستيطاني وشق الطرق الالتفافية التي تخدم المستوطنين على حساب الأراضي الزراعية التابعة لأهالي البلدة، إضافة الى ما يسمى عابر السامرة من الجنوب والبؤرة الاستيطانية الجديدة التي تأسست عام 2025 والتي سيطرت على مساحات واسعه من أراضي القرية.
وتترافق هذه المصادرات مع تضييقات مستمرة تطال المزارعين، تشمل منع أو تقييد الوصول إلى الأراضي، وإتلاف الأشجار، والاعتداءات المتكررة، فضلًا عن التهديد الدائم بالمزيد من المصادرة تحت ذرائع “الأمن” أو “تنظيم المناطق”.، هذا الضغط المستمر يمسّ البنية الاقتصادية والاجتماعية للقرية، ويحوّل حياة سكانها إلى معركة يومية للحفاظ على ما تبقى من أرضهم ومصدر رزقهم، ما يجعل مواجهة الاستيطان أولوية قصوى في أي رؤية مستقبلية تخص سرطة ومحيطها.



شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .