5:12 مساءً / 12 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة انطباعية ، في كتاب ” الكاميرا تشرق من القدس ” ، للكاتب سليم النجار ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

قراءة انطباعية ، في كتاب " الكاميرا تشرق من القدس " ، للكاتب سليم النجار ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

قراءة انطباعية في كتاب “الكاميرا تشرق من القدس” للكاتب سليم النجار ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

يأتي كتاب “الكاميرا تشرق من القدس” للمبدع الكاتب سليم النجار كعملٍ أدبيٍّ توثيقيٍّ فريد، يلتقي فيه الضوء بالدم، والحقيقة بالذاكرة، والعدسة بالكلمة. هو ليس كتاباً عابراً في سيرة مصوّرٍ أو مشهدٍ من مشاهد الصراع الفلسطيني، بل هو ملحمة إنسانية مقدسية تنسجها روح الوطن وترويها الكاميرا بلغةٍ لا تعرف الصمت. القدس هنا ليست مسرحاً للحدث فحسب، بل هي روح النصّ، وملهمته الأولى، ومركز إشعاعه الذي لا ينطفئ.

منذ الصفحة الأولى، يضعنا النجار أمام القدس ككائنٍ حيٍّ يتنفس من بين الصور، كمدينةٍ تنزف وتبتسم في آنٍ واحد، وكذاكرةٍ لا تشيخ مهما طال الاحتلال. فالكاتب يقدّم الكاميرا لا بوصفها أداةً مادية، بل بوصفها ضميراً وطنياً واعياً، يسجّل الحقيقة لا ليتفرّج عليها، بل ليحفظها للأجيال القادمة في وجه النسيان والتشويه. فالصورة في هذا الكتاب ليست مرافقة للنص، بل هي نصٌّ آخر موازٍ له، يروي ما تعجز الكلمات عن قوله، ويُعيد رسم ملامح المكان والإنسان.

الكاتب المبدع سليم النجار يكتب بعدسة القلب قبل عدسة الكاميرا؛ يصوغ المشهد بروحٍ شاعريةٍ عميقة، ويحوّل اللقطة الفوتوغرافية إلى لوحةٍ تنبض بالوطنية والوجدان. في كل فقرة، نلمح فلسفةً عميقةً عن علاقة الفلسطيني بالصورة، وعن معنى أن توثّق وطناً يُحاول العالم محوه، وأن تجعل من الضوء سلاحاً في وجه التزوير.

الشهيد هاني جوهريه… حين تتحوّل العدسة إلى شهادة

يُفرد الكاتب مساحةً واسعةً في كتابه للحديث عن الشهيد هاني جوهريه، ذلك المصوّر المقدسي الذي جمع بين الإيمان بالرسالة والجرأة في توثيق الحقيقة، فكانت حياته سلسلةً من المواجهة مع الخطر، حتى ارتقى شهيداً وهو يحمل كاميراه في قلب الميدان.

لقد استطاع النجار ببراعة أن يُعيد إلى الذاكرة الفلسطينية وجه هاني جوهريه بوصفه شهيد الضوء والكلمة، لا مجرد مصوّرٍ صحفيٍّ رحل في خضمّ المعركة. فقد جعل من قصّته تجسيداً لمعنى البطولة في بعدها الإنساني والمهني، حيث تتحوّل الكاميرا إلى شاهدٍ على الحقيقة، والمصوّر إلى رمزٍ للفداء.

إنّ الكاتب لا يقدّم جوهريه كسيرةٍ فردية، بل كرمزٍ جمعيٍّ يعكس ضمير كل إعلامي فلسطيني يقف في وجه العدوان حاملاً عدسته كدرعٍ من نور. نرى في الكتاب كيف يصف الكاتب لحظات الشهادة كأنّها شروق جديد للقدس، إذ امتزج النور بالدم، وتحوّلت الكاميرا إلى مشعلٍ لا ينطفئ. بهذا الأسلوب المرهف والعميق، نقل النجار القارئ من دائرة الحدث إلى فضاء التأمل، وجعل من مأساة الرحيل ميلاداً جديداً للحقّ وللصورة الفلسطينية التي لا تموت.

وقد برع الكاتب في رسم الشخصية من الداخل، فجعلنا نرى جوهريه لا بعدسته فحسب، بل بوجدانه، بإيمانه بأن الصورة تستطيع أن تُخلّد ما يعجز التاريخ عن حفظه. ومن هنا جاء حضور الشهيد في النصّ أبديّاً ومضيئاً ، يذكّر القارئ بأن الحقيقة لا تموت ما دام هناك من يرويها بعدسته ودمه.

النجاح الأدبي والفني في أسلوب الكاتب سليم النجار

يتميّز سليم النجار في هذا العمل بقدرةٍ نادرة على الدمج بين الكتابة الأدبية الرفيعة والتوثيق التاريخي الدقيق. فقد أجاد توظيف اللغة العربية بجمالها وثرائها دون أن يفقد النصّ دقّته وموضوعيته. لغته مشحونة بالعاطفة لكنها رصينة، قوية لكنها شفّافة، تمزج بين الجملة الخبرية والتحليل التأملي، لتخلق نصاً يمسّ الروح والعقل معاً.

كل فصل من فصول الكتاب يشبه لوحةً فنية تُضاف إلى معرضٍ كبيرٍ للقدس، حيث تتعاقب الصور والمشاهد في تناغمٍ فريدٍ بين المأساة والأمل. استخدم الكاتب الرمز ببراعةٍ عالية، فجعل من الكاميرا رمزاً للحق، ومن الضوء استعارةً للحرية، ومن الصورة مرآةً للخلود. هذه البنية الرمزية الغنية جعلت الكتاب نصّاً مفتوحاً على التأويل، قادراً على أن يعيش في وجدان القارئ طويلاً.

كما يتجلّى نجاح النجار في قدرته على جعل الصورة نصاً أدبياً ، والنصّ وثيقة بصرية تنبض بالحياة. لا يمكن للقارئ أن يمرّ على الكتاب مروراًعابراً، إذ يجد نفسه مأخوذاً بسحر السرد، ودفء الذاكرة، وصدق العاطفة. لقد جعل الكاتب من الكلمة فعل مقاومة، ومن التوثيق فنّاً راقياً لا يقلّ تأثيراً عن الشعر والرواية.

تخليد النور بالشهادة

في ختام هذا العمل البديع، يثبت سليم النجار أنّ الكتابة يمكن أن تكون نوعاً من الوفاء، وأنّ الأدب حين يحمل عبق الشهداء يتحوّل إلى رسالة خالدة. لقد أحسن الاختيار حين كتب عن الشهيد هاني جوهريه، فلم يكتب عن شخصٍ رحل، بل عن نورٍ باقٍ يسكن ذاكرة الوطن ووجدان الأمة.

أسلوب النجار في هذا الكتاب يتّسم برهافة الحسّ وعمق الفكرة وجلال اللغة. كتب بضميرٍ حيٍّ يرى في الشهيد رفيقاً للضوء، وفي الكاميرا شاهداً للحقّ، وفي القدس قلباً للوجود الفلسطيني. إنّ روعة هذا العمل لا تكمن فقط في موضوعه، بل في الطريقة التي جعله بها وثيقة فنية وإنسانية تحفظ الذاكرة من الاندثار وتُعيد تعريف البطولة في زمنٍ تتنازع فيه الروايات.

هكذا، يُشرق الكتاب كما تُشرق الكاميرا التي تحدّث عنها؛ من القدس، من القلب، من الذاكرة التي لا تنام. ليبقى صوت سليم النجار شاهداً على أن الكلمة حين تكتب بصدقٍ عن شهيدٍ، تتحوّل هي الأخرى إلى شهادةٍ خالدةٍ في ضوء الذاكرة الفلسطينية.

شاهد أيضاً

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يقف على جاهزية الدفاع المدني في ظل الظروف الحالية

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يقف على جاهزية الدفاع المدني في ظل الظروف الحالية

شفا – إجتمع وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح ومدير عام الدفاع المدني اللواء ركن …