11:35 مساءً / 4 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

هل جاء اليوم التالي للحرب أم أنه لم يحن بعد ، بقلم : سالي ابو عياش

يتردّد سؤال يلاحق الجميع: هل جاء اليوم التالي للحرب أم أنّه لم يحن بعد

منذ أكثر من عام على اندلاع حرب الإبادة على غزة، تكرّر على ألسنة قادة الاحتلال والوسيط الأمريكي عبارة “اليوم التالي للحرب” حتى تحوّلت إلى لازمة إعلامية ودبلوماسية. وبدا الأمر كأنما هناك وعدٌ مؤجّل، أو نقطة فاصلة ستنهي النزيف وتفتح باب مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والحكم والاستقرار لقطاع غزة بصورة خاصة والمنطقة الإقليمية بصورة عامة. لكنّ الوقائع الميدانية والسياسية تقول شيئاً مختلفاً: هذا اليوم لم يأتِ بعد، وربّما لم تتهيّأ شروطه أصلاً.


لكن ومع إعلان حماس قبولها الإيجابي لنسخة خطة ترامب الأخيرة، بدا كأن الباب فُتح أخيراً نحو هدنة ووقف حرب أو صفقة تبادل أسرى قد تمنح الناس نفَساً من الدم، لكنّ سرعان ما تكشّف أن الطريق ما يزال مرصوفاً بعقبات استراتيجية وسياسية تُبقي “اليوم التالي” في منطقة الزون الرمادي. فالرغم من أن الرد السياسي لحركة حماس كان رداً ذكياً ومسؤول، إلا أنه خطوة تكتيكية لا حلاً نهائياً إذ أنه كان ب نعم مشروطة حيث كان هنالك تحفظات على بعض البنود وبقيت دون الإجابة فكانت: نعم لتبادل الأسرى وفتح نافذة تفاوض، بلا قبولٍ مطلق لشروط نزع السلاح أو الوصاية الخارجية. هذا الموقف يحقق هدفاً مزدوجاً: يمنع حرمان الناس من أي فرصة للإفراج عن الأسرى وتهدئة الرعب، وفي الوقت ذاته يحافظ على هامش سياسي وعسكري لا يسمح بتفريغ المقاومة من مضمونها.


فالقبول المشروط بصيغة “نعم ولكن” هو اختيار سياسي محكَم؛ رفض المطروحات بالكامل يُعدّ انتحاراً سياسياً وميدانياً يوفّر لإسرائيل غطاءً دولياً لمواصلة الإبادة، والقبول المطلق يعني استسلاماً بلا ضمانات. فاختارت الحركة أن تُعيد الكرة إلى ملعب نتنياهو والوسط الدولي، مجبرة إياهم على تفصيل الآليات والضمانات، وهي بذلك حاولت أن تمنع أن يصبح وقف النار مجرد غطاء لتهجيرٍ أو لصيغة إدارة ليست فلسطينية.


هذا الرد، بصيغته الذكية والمشروطة، لا ينفصل عن النقاش الأوسع حول اليوم التالي، بل يشكّل جزءاً من معركة تعريفه ورسم حدوده فبينما تحاول الحركة تجنّب فخ الاستسلام أو العزلة، تكشف الوقائع أن ما تطرحه إسرائيل عن هذه المرحلة ليس سوى وهم سياسي يخفي حقيقة ميدانية عنوانها استمرار الحصار والإبادة.


إذ تستخدم إسرائيل هذا المصطلح كفزاعة سياسية: بالنسبة للخطاب الإسرائيلي، اليوم التالي لم يكن خطة بقدر ما هو أداة تكتيكية: تُستخدم لطمأنة الداخل بأن هناك رؤية استراتيجية، ولتسويق فكرة إعادة الإعمار لاحقاً بينما تُعمّق عملية التدمير الآن. اما على أرض الواقع، لم تظهر خطة واضحة سوى رغبة في الحفاظ على غزة ضعيفة، محاصرة، وخاضعة لشروط أمنية تطال الحرية والحياة اليومية.


أما أمريكا استخدمته كغطاء دبلوماسي مؤقت: فواشنطن، ومن خلفها حملة ترامب، تعاملت مع المصطلح كتمهيد دعائي؛ إنجازٌ سريع — صفقة تبادل أسرى — يمنح الصورة الإعلامية التي تُحبّها الولايات المتحدة دون حسم القضايا الجوهرية والنتيجة: هدنة قابلة للانكسار لا حلّ دائماً، ووساطة تُقدّم نفسها كحكمٍ منفصل عن حقيقة موازين القوى على الأرض.


أما الفلسطيني: نظر إليه كأنه حلم مؤجل إذ أنه لا يمتلك رفاهية المجادلات الاستراتيجية؛ فنظر إليه وكأنه يعني بيتاً لا ركاما، أطفالاً يعودون للمدارس، ماءً ودواءً، وكرامةً لاستعادة حياة تبدو حتى الآن أمراً بعيداً. فربما هذا المصطلح بالنسبة له تحول إلى وعدٍ لا يلامس الواقع اليومي للنجاة.


وبطبيعة الحال إن أرادت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية التوصل الى قرار مغاير لرد حماس هنالك ثغرات تستطيع أن تستغلها فالرد الفلسطيني، رغم ما فيه من دهاء، ترك تفاصيل محورية دون حسم: من يضمن التنفيذ؟ كيف تُدار غزة بعد الصفقة؟ وما مصير سلاح المقاومة؟ هذه الثغرات هي التي تسمح لكلٍّ من ترامب ونتنياهو أن يفسّرا الرد كما يشاءان أو أن يستغلاها ذريعة لمواصلة الضغط العسكري والسياسي بعد صفقة تبادل جزئية.


فوقف النار بالنسبة لنتنياهو يعني مجابهة حسابات داخلية رهيبة: سبب فشل الأمن، ومساءلات عن سياسة ما قبل السابع من أكتوبر، وملفات فساد قد تعود بقوة إلى الواجهة. لذلك، الحرب تعمل كقشرة حماية سياسية؛ أي وقف فعلي قد يسهِم في نهاية حكمه، فتؤجَّل التسوية حفاظاً على هذا الحبل الذي يربطه بكرسيّ السلطة.


إضافة إلى الحديث عن التصعيد مع إيران أو عبر أذرعها في المنطقة (حزب الله، الميليشيات في العراق وسوريا، أو تهديدات في الخليج) يخلق ذريعةً لتمديد العمليات ولتسويغ شمولية العنف: إن لم تُحلّ مسألة إشعال الجبهات الإقليمية، فسيفقد الحديث عن اليوم التالي معناه أمام احتمال تحول الصراع إلى مواجهة أوسع.


وهذا يصب في جوهر ما صدر عن هيئة البث الإسرائيلية حول تخفيف مؤقت للعمليات العسكرية لا وقف إطلاق النار وهي صيغة تكشف نقطة مهمة: الاحتلال ليس بصدد إنهاء الحرب بقدر ما هو بصدد إعادة توزيع كلفة الحرب على فترات زمنية، وربما جبهات جديدة وإدارة الأزمة بالحد الأدنى. النتيجة: استمرار المعاناة، وتأجيل الحلول الجذرية.
انطلاقاً من هذه التعقيدات، تتوزع السيناريوهات المحتملة بين ثلاثة مسارات رئيسية:


السيناريو الأول: صفقة تبادل أسرى ووقف مؤقت للحرب (الأقرب على المدى القصير):


تركز هذه الصيغة على إنجاز سريع يمنح ترامب رصيداً إعلامياً وسياسياً، ويقدّم إنفراجة إنسانية حقيقية (الإفراج عن أسرى، تهدئة مؤقتة). لكنها لن تعالج الجذور: ستبقى غزة مدمرة، ملفات الحكم والسلاح معلقَة، وفرص تجدد العدوان قائمة. هذا السيناريو يفضّل الاستراحات المؤقتة على الحلول الدائمة وهو الأكثر قابلية للتفيذ في الوقت الحاضر.
السيناريو الثاني: تراجع ترامب وضغط لإزالة التحفظات عن حماس:


في هذا الاحتمال، يعاد تعريف النقاش: إما أن تُقدّم حماس تنازلات تُضعفها داخلياً أو أن تُتهم بفشل فرصة تاريخية، فتوفّر لإسرائيل غطاءً دولياً لمواصلة العمل العسكري. هذا السيناريو يضع حماس وترامب في مأزق: الأول سيخسر شرعيته لو سلّم الكثير، والثاني سيخسر صورتَه كوسيط إنساني.


السيناريو الثالث: الضوء الأخضر لنتنياهو لمواصلة الحرب:


أخطر السيناريوهات؛ يمنحه دعماً أمريكياً نسبياً لاستكمال المهمة العسكرية وستتحوّل الحرب هنا إلى مدرسة للقوة، لكنها ستكلف ثمناً بشرياً ودبلوماسياً هائلاً: مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، انفجار إقليمي محتمَل، ومعاناة إنسانية لا تُطاق. رغم مخاطره، قد تجده أجنحة يمينية في إسرائيل والولايات المتحدة جذاباً إذا اعتبروه حلًّا نهائياً لمسألة المقاومة.

الخلاصة أن هذه المرحلة رمادية بلا ملامح واضحة إذ لم يأتِ اليوم التالي للحرب بعد؛ لأننا نعيش مرحلة رمادية تتحكّم فيها الأدوات الإعلامية والدبلوماسية أكثر من حسابات السلام الحقيقي. كل طرف يستخدم المصطلح لخدمة مصلحته:


• أمريكا لتسوّق نفسها كوسيط قادِر.
• إسرائيل لتبرير الإطالة ودرء السقوط السياسي لقيادتها.
• الفصائل الفلسطينية لتأكيد حضورها السياسي وإعادة رسم حدود التفاوض.
• المجتمع الدولي ليوهم نفسه بأنه يملك الحل.

أما الفلسطيني البسيط، فلا يرى في كل هذه الشعارات سوى استمرار الدمار والانتظار. اليوم التالي الذي يستحق أن يُسمّى كذلك ليس مجرد عنوان إعلامي؛ إنه يوم يتوقف فيه القصف، يوم تُفتح فيه المعابر، يوم تُعاد الأراضي إلى أهلها دون وصاية أو تهجير، ويُقدّم فيه إعمار حقيقي ونظام حكم فلسطيني شرعي يضمن الحقوق والكرامة. حتى ذلك الحين، سيبقى الحديث عن اليوم التالي مشهداً من مشاهد إدارة الأزمة وليس لحظة تحوّل حقيقية.


اليوم نحن لا نحتاج إلى مزيد من الشعارات. نحتاج إلى يومٍ بعد ملموس يزيل عن الناس خوف الليلة ومنعهم من النوم وهو حلمهم الوحيد: البقاء. إلى أن يأتي ذلك، يبقى مصطلح “اليوم التالي” حقلاً للصراع السياسي أكثر مما هو وعدٌ إنساني. ومع ذلك، لا بدّ من الإبقاء على فتيل الأمل: لأنّ كل مفاوضة، مهما كانت ظرفية، تحوي دائماً بذوراً يمكن أن تُنبت طريقاً نحو حلّ أعمق لو استُعملت بحكمة وطنية وحِكَمٍ إقليمية تُعطي الفلسطيني حقه في القرار والعيش.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم السبت 4 أكتوبر كالتالي :عيار 22 81.300 دينارعيار 21 …