6:16 مساءً / 20 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

ثورة الطاقة في غرب الصين : تجربة ميدانية في محطة شينجيانغ للطاقة الشمسية الحرارية تجذب أنظار العالم ، بقلم : ريماس الصينية

ثورة الطاقة في غرب الصين : تجربة ميدانية في محطة شينجيانغ للطاقة الشمسية الحرارية تجذب أنظار العالم ، بقلم : ريماس الصينية

ثورة الطاقة في غرب الصين : تجربة ميدانية في محطة شينجيانغ للطاقة الشمسية الحرارية تجذب أنظار العالم ، بقلم: ريماس الصينية

في أعماق صحراء غوبي في منطقة شينجيانغ بالصين، تجري ثورة طاقة صامتة تعيد صياغة فهم البشر للشمس. فهنا، لا ترى صفوف الألواح الكهروضوئية الصامتة، بل مشهدا مذهلا أشبه بأطلال من المستقبل: آلاف المرايا العملاقة التي تعكس أشعة الشمس نحو برج شاهق. مؤخرا، قامت الكاتبة بزيارة ميدانية إلى محطة الطاقة الشمسية الحرارية بنظام برج الملح المنصهر في محافظة إي وو بمدينة هامي، والتي تعد بحق “مشروعا عملاقا”، ليلمس عن قرب ما تقدمه غرب الصين من “إجابة ثمينة” للعالم في مسيرة التحول الطاقي.


“دوار الشمس الفضي” في عمق صحراء غوبي الصينية


من مدينة هامي باتجاه الشمال، يتبدل المشهد خارج نافذة السيارة تدريجيا من واحات خضراء إلى صحراء غوبي الممتدة بلا نهاية. هذه المنطقة من أغنى مناطق الصين بموارد الرياح والطاقة الشمسية. ومع اقترابنا من خط الأفق، تلوح بريقات فضية ساطعة – هناك تقع وجهتنا: محطة شمسية حرارية ببرج الملح المنصهر.


وبمجرد دخول نطاق المحطة، يقف المشهد مهيبا يخطف الأبصار: أكثر من 14,500 مرآة عملاقة متحركة، تصطف بانضباط كجنود أوفياء، متخذة برج الامتصاص المركزي نقطة لها، لتشكل مصفوفة دائرية ضخمة على مساحة شاسعة من الصحراء. كل مرآة مزودة بنظام تتبع شمسي دقيق، أشبه بـ”دوار الشمس الفضي”، تدور ببطء مع حركة الشمس لتعكس أشعتها بتركيز نحو قمة البرج بارتفاع 220 مترا.


عند القمة، حيث تلتقي آلاف البقع الضوئية، ترتفع الحرارة إلى ما يفوق 1000 درجة مئوية، فتبدو القمة كأنها “شمس صناعية” معلقة فوق صحراء غوبي. هذا المشهد المستقبلي لا يمثل جمالا صناعيا فحسب، بل يجسد حوارا مباشرا بين ذكاء الإنسان وقوة الطبيعة.


“اصطياد الضوء” و”تخزينه”: سحر الملح المنصهر


على عكس توليد الكهرباء بالطاقة الكهروضوئية، تتميز محطات الطاقة الشمسية الحرارية بقدرتها الكبيرة على التخزين. والسر يكمن في وسط يبدو عاديا لكنه حاسم: الملح المنصهر.


يوضح لنا أحد مهندسي المحطة مبدأ هذه التقنية قائلا إن داخل برج الامتصاص شبكة أنابيب يمر بها خليط خاص من الأملاح المصهورة. ومع تعرضها لأشعة الشمس المركزة من آلاف المرايا، تتحول هذه الأملاح إلى مخزن هائل للطاقة الحرارية.


بعد تسخينها، تنقل الأملاح إلى خزانات حرارية ضخمة أشبه بـ”بنك للطاقة”، حيث تخزن الحرارة بشكل آمن. يضيف المهندس: “في النهار نولد الكهرباء بالتوازي مع شحن الحرارة، وفي الليل نستخدم الحرارة المخزنة لتوليد الكهرباء، ما يضمن تشغيل الوحدة على مدار 24 ساعة بلا انقطاع”.


وبذلك، تحل إحدى أعقد مشكلات الطاقة المتجددة، وهي التقطع وعدم الاستقرار. فالطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح تعتمد على أحوال الطقس، بينما تستطيع محطة نورملو توفير كهرباء مستقرة ومتواصلة وقابلة للتوزيع مثل محطات الفحم التقليدية، لكن باستخدام “وقود” مجاني وصديق للبيئة: أشعة الشمس.
لماذا بناء المشروع في شينجيانغ؟ البعد الاستراتيجي لـ”إجابة غرب الصين”


اختيار شينجيانغ لبناء مشروع بهذا الحجم لم يكن محض صدفة.


تتمتع مدينة هامي بشينجيانغ بموارد وفيرة من الطاقة الشمسية والرياح، إذ يصل معدل سطوع الشمس السنوي إلى 3380 ساعة، وهو من الأعلى على مستوى الصين. المساحات الواسعة من السهول وصحراء غوبي هنا تجعلها “بحرا من الضوء”، لا تزاحم الأراضي الزراعية ولا تضر بالمناطق السكنية، مما يجعلها مثالية لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية.


لكن الأهمية تتجاوز الجغرافيا. فكونها مشروعا تجريبيا ضمن الدفعة الأولى للمشروعات الوطنية للطاقة الشمسية الحرارية، تمثل هذه المحطة حلقة أساسية في بناء نظام طاقة جديد. فبفضل تقنية تخزين الملح المنصهر، تستطيع المحطة توليد الكهرباء على مدار الساعة، وتعمل مع محطات الرياح والطاقة الكهروضوئية المجاورة لتحقيق التكامل بين مصادر الطاقة المتعددة: تخزين الكهرباء عند فائض التوليد و ضخها عند الحاجة، ما يساهم في استقرار الشبكة وزيادة استيعاب الطاقة النظيفة، وبالتالي دفع تحقيق هدف “ذروة الكربون والحياد الكربوني”.


إن هذه “اجابة غرب الصين” تتجاوز حدود الصين لتثبت للعالم أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية واسعة النطاق قد انتقلت من المختبر إلى مرحلة التشغيل التجاري، مقدمة نموذجا يمكن تكراره للدول والمناطق الغنية بالشمس مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


نحو المستقبل: التكنولوجيا الصينية ورؤية الطاقة العالمية


مع مغيب الشمس، تلونت المرايا وبرج الامتصاص بوهج ذهبي، في مشهد صامت يرمز إلى طموح الإنسان نحو مستقبل نظيف ومستدام.


بالنسبة للعالم العربي الذي يسعى لتنويع اقتصاده والتحول نحو الطاقة المتجددة، تمثل تجربة شينجيانغ مرجعا عمليا قيما. فخبرة الصين المتراكمة في تقنيات الطاقة الشمسية الحرارية وتصنيع المعدات وتنفيذ المشاريع يمكن أن تتكامل مع وفرة الموارد الشمسية في المنطقة واحتياجاتها التنموية الهائلة. هذه الشراكة ليست مجرد تصدير تكنولوجيا أحادية الاتجاه، بل هي استكشاف مشترك لمستقبل قائم على المنفعة المتبادلة.


من صحراء شينجيانغ إلى صحارى العالم العربي، تظل الشمس ثروة مشتركة. ومحطة شينجيانغ أشبه بمنارة، توضح الطريق لتحويل هذه الثروة الطبيعية إلى طاقة نظيفة ومستقرة ودائمة. إنها ليست فقط “إجابة غرب الصين”على ثورة الطاقة، بل دعوة مفتوحة للعالم بأسره إلى مستقبل أخضر مشترك.

  • – ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية – الصين

(ملاحظة) اقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة

شاهد أيضاً

وزير الحكم المحلي يحطّ في بلدة طورة المحاذية لجدار الموت العنصري غرب جنين

وزير الحكم المحلي يحطّ في بلدة طورة المحاذية لجدار الموت العنصري غرب جنين

شفا – نسيم قبها ، ضمن وفد من وزارة الحكم المحلي وطواقمها ، وبحضور أحمد …