
بين النزوح والنار… طلاب الثانوية العامة في غزة يكتبون قصة صمود جديدة ، بقلم : منى سامي موسى
غزة – لم يكن امتحان الثانوية العامة لهذا العام مجرد محطة دراسية عابرة في حياة آلاف الطلبة، بل تحوّل إلى ملحمة من الصبر والصمود أمام ركام الحرب والنزوح.
فقد جاء موسم الامتحانات في واحدة من أصعب اللحظات التي يمر بها قطاع غزة، حيث تزامن مع النزوح الجماعي من الشمال إلى الجنوب، وانقطاع شبكة الإنترنت، وغياب مقومات الحياة الأساسية. ومع ذلك، حمل الطلبة كتبهم ودفاترهم، وواجهوا الموت والخوف ليقولوا للعالم إن العلم هو سلاحهم الأقوى.
محمد، أحد الطلبة النازحين، يروي بحزن: “درست سنتين ونصف بانتظار هذه اللحظة، وكل مرة كنا نسمع أن الامتحانات تأجلت بسبب العدوان. كنت على وشك أن أفقد الأمل. يوم قدمت أول امتحان، القصف كان شديداً، أنهيت ورقتي بسرعة، وخرجت من البيت تاركاً وراءي طفولتي وذكرياتي متجهاً إلى الجنوب بحثاً عن الأمان. وفي اليوم التالي كان علي أن أواصل الامتحان، بمساعدة أهل الخير وجدت مكاناً وقدمت.”
لم تقتصر المعاناة على الخوف والنزوح فقط، بل امتدت إلى أعباء مالية جديدة أثقلت كاهل العائلات. بعض الطلبة اضطروا لدفع مبالغ مالية لاستئجار طاولة في مقهى يوفر الإنترنت، أو شراء بطاقات اتصال بأسعار مرتفعة، في وقت يعاني فيه الجميع من شح السيولة وارتفاع العمولات.
وبرغم ذلك، فإن المشهد الأجمل كان إصرار الطلبة على إكمال طريقهم. فبينما فقد البعض أحباءهم في العدوان، ظلوا متمسكين بحقهم في التعلّم. ورغم التعب والدمار، جلسوا أمام شاشات الكمبيوتر أو في قاعات ضيقة ليكتبوا مستقبلهم بأقلامهم.
اليوم، ومع انتهاء الامتحانات، تنفس الطلاب الصعداء قائلين: “خلصنا… ويارب النجاح للجميع.” كانت كلماتهم محمّلة بفرح صغير، لكنه عظيم بحجم التضحيات التي قدموها.
لقد أثبت طلبة الثانوية العامة في غزة أن الإرادة أقوى من الرصاص، وأن العلم يمكن أن يولد من رحم النار، وأن شعباً يختار القلم في أصعب الظروف هو شعب لا يعرف الهزيمة.