12:32 صباحًا / 17 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

“حين تُجلد الطفولة بصمت” بقلم : ناديه كيوان

“حين تُجلد الطفولة بصمت” بقلم : ناديه كيوان


في لحظةٍ كهذه، حيث يقف طفلٌ صغير عاجزًا، يلتف حوله سياط الألم وتُطفأ في عينيه شرارة البراءة، ندرك أن العنف لم يعد مجرد سلوكٍ فردي بل وباءً ينهش إنسانيتنا. أن يُعذَّب طفل بسبب ضعفه، أو لأنه وُلد بقدرات مختلفة، أو لأنه لا يملك من يحميه؛ فهذا ليس إلا انحدارًا أخلاقيًا يُعرّي وجوهًا ادّعت الإنسانية وهي في حقيقتها أبعد ما تكون عنها.


إن تعذيب الأطفال –وخاصة أصحاب الهمم والاحتياجات الخاصة– جريمة مضاعفة. فهم لم يختاروا ضعفهم، ولم يطلبوا عجزهم، بل جاؤوا إلى هذا العالم ليذكّرونا بأن القوة الحقيقية ليست في الجسد بل في القلب.


ومع ذلك، يُعاملون أحيانًا وكأنهم عبء، فيتعرّضون لأبشع أشكال العنف على يد أقارب كان يُفترض أن يكونوا لهم ملاذًا وأمانًا. أي قسوة هذه التي تجعل الأهل أداة عذاب، بدل أن يكونوا سندًا وحصنًا؟


العنف ضد الأطفال ليس مجرد تصرّف فردي عابر، بل هو جرح اجتماعي يُهدّد قيمنا جميعًا. الطفل الذي يُهان أو يُضرب أو يُعذّب، يكبر وهو يحمل جراحًا في نفسه لا تندمل. جراح تتحوّل لاحقًا إلى خوفٍ دائم، أو كراهيةٍ للآخرين، أو حتى رغبةٍ في الانتقام. وهكذا نصنع نحن، بأيدينا، أجيالًا مشوهة الروح، فاقدة للثقة في الحب والرحمة.


أصحاب الهمم بالذات، هم اختبارٌ أخلاقي للمجتمع.


في نظراتهم البريئة وابتساماتهم المرهقة تكمن رسالة عميقة: “نحن لا نحتاج سوى الرحمة”. ولكن، حين يُقابلون بالقسوة والضرب، فهذا يعني أن المجتمع فشل في أبسط امتحانات الإنسانية. إنهم ليسوا عبئًا، بل هبة، وأرواح وُضعت بين أيدينا كي نتعلّم كيف نكون بشرًا حقًا.


ولعل أبشع ما في هذه الجرائم أن ترتكب بأيدي الأقارب؛ أولئك الذين من المفترض أن يحموهم من ظلم العالم. حين يتحوّل البيت من حضنٍ دافئ إلى مسرح للتعذيب، يصبح الطفل بلا ملجأ، بلا ثقة، بلا حياة آمنة. إن انعدام الإنسانية في مثل هذه الأفعال لا يضرّ الطفل وحده، بل يفضح كل منظومة القيم التي صمتت على الألم ولم تتحرّك.


لقد آن الأوان لأن نصرخ في وجه هذا الظلم: حماية الأطفال ليست خيارًا بل واجب. وأصحاب الهمم ليسوا “أقل”، بل أكثر حاجة إلى أن نشعر بهم ونُمسك بأيديهم.


مسؤوليتنا أن نحول دون أن تتحول طفولتهم إلى مشاهد رعب كتلك التي نخجل من النظر إليها.


فالطفولة ليست ميدانًا للضرب، ولا قلوب الأطفال ساحاتٍ للتعذيب. الطفولة هي الصفحة البيضاء التي نكتب عليها قصة الغد. وإن لوّثناها بالقسوة، فلن نلوم إلا أنفسنا حين يكبر الغد مظلمًا، قاسيًا، بلا رحمة.


ناديه كيوان

شاهد أيضاً

الاحتلال يقتحم قريتي كفر نعمة ودير ابزيع وبلدة بيرزيت

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، قريتي كفر نعمة ودير ابزيع، غرب …