4:59 مساءً / 15 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قطر بين نيران العدوان وأسئلة المستقبل ، بقلم : محمد علوش

قطر بين نيران العدوان وأسئلة المستقبل ، بقلم : محمد علوش

لم تكن الدوحة، وهي تحتضن تفاصيل نهارها الهادئ، تنتظر أن تخترق السماء طائرات الموت الإسرائيلية لتترك ندوباً على جغرافيا لم تعتد الحرب، ولتعلن أنّ منطق القوة حين يطلق لن يعرف حدوداً ولا سيادة ولا حرمة، والعدوان على قطر لم يكن مجرّد رسالة صاروخية عابرة، بل لحظة كاشفة، تضع الخليج والمنطقة والعالم أمام سؤال وجودي، أي نظام دولي هذا الذي يسمح بأن تنتهك أرض دولة ذات سيادة، وتضرب عاصمتها، في ظلّ صمت أو تواطؤ القوى الكبرى.


إسرائيل لم تفاجئنا بمنطقها، فهي منذ نشأتها تؤمن أن ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها، والجديد كان في المشهد المركّب، عدوان على أرض تستضيف أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، عدوان تمّ في لحظة تفاهمات معلنة وغير معلنة بين الدوحة وواشنطن وتل أبيب، وهنا يطلّ سؤال آخر: كيف يمكن أن تستباح أجواء دولة محمية بمظلة أمريكية دون أن تتحرك دفاعات تلك المظلة.. أهو التغاضي.. أم هو شراكة مستترة أريد لها أن تبقى ملتبسة؟


المواقف الدولية التي صدرت بعيد العدوان بدت متباينة، لكنها جميعاً عكست ارتباكاً في التعامل مع الجريمة، فالصين أدانت الاعتداء واعتبرته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، داعية إلى احترام سيادة الدول وعدم تصدير الصراع الفلسطيني إلى أراض أخرى، وروسيا رأت في العملية دليلاً إضافياً على عجز الولايات المتحدة عن لعب دور الضامن في المنطقة، وأشارت بوضوح إلى ضرورة بناء منظومة أمنية إقليمية مستقلة عن الوصاية الأمريكية، وأوروبا اكتفت ببيانات دبلوماسية باهتة، تتحدث عن “القلق” و”الدعوة إلى ضبط النفس”، كأنها تخشى تسمية الأشياء بأسمائها، أما الموقف العربي، فقد جاء متأخراً ومجزوءاً، قبل أن يدفع الغضب الشعبي الحكومات إلى الدعوة لعقد قمة في الدوحة، تعبيراً عن الحدّ الأدنى من التضامن.


إنّ خطورة هذا العدوان لا تكمن فقط في حجم الدمار أو في سقوط الضحايا، بل في الرسائل السياسية التي يبعث بها:
أولاً، أنّ الولايات المتحدة لم تعد ضامناً موثوقاً لأمن الخليج، بل شريكاً في معادلات ملتبسة تدار بعيداً عن مصالح شعوب المنطقة.


ثانياً، أنّ مشروع “السلام الإبراهيمي” الذي عوّل عليه لإعادة تشكيل المنطقة، تلقّى ضربة عميقة، فكيف يمكن الترويج للتطبيع فيما تتعرض دولة خليجية لحرب غادرة من حليف يفترض أنه “شريك سلام”؟


ثالثاً، أنّ استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي رعته تفاهمات قطرية – أمريكية – إسرائيلية طوال خمسة عشر عاماً، لم يعد ضمانة للاستقرار، بل أصبح ذريعة للدمار المستمر.


في مواجهة هذا المشهد، تبدو قطر أمام منعطف تاريخي، هل تواصل سياسة الرعاية لحركة حماس، بما فيها من تناقضات إقليمية ودولية، وهل تظلّ متمسكة بالوساطة ضمن إيقاع التنسيق مع واشنطن وتل أبيب، رغم أن الضربة وقعت على أرضها برعايتهما، أم تعيد تموضعها وتقترب أكثر من الشرعية الفلسطينية، لتستعيد موقعها الطبيعي في دعم وحدة الشعب الفلسطيني لا انقسامه؟


التاريخ علّمنا أن التحولات الكبرى تأتي حين تنكسر الثقة بالمظلّات التقليدية، والسؤال الأوسع لم يعد قطرياً فقط، بل خليجياً وعربياً: هل نبقى أسرى الوصاية الأمريكية، وقد أثبتت التجربة أنّها لا تحمي أحداً إلا مصالحها، أم نتجه نحو بناء منظومة أمنية بديلة، تستند إلى شراكات مع قوى صاعدة كالصين وروسيا، وتعيد الاعتبار لركائز الاستقلال والسيادة؟
العدوان على قطر، إذن، ليس حدثاً معزولاً، بل علامة فارقة في مسار التحولات الإقليمية والدولية، إنه جرس إنذار يذكّر الجميع أنّ زمن القطب الواحد يتداعى، وأنّ البحث عن توازن جديد لم يعد خياراً مؤجلاً، بل ضرورة وجودية.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يلتقي أمير قطر في الدوحة

شفا – التقى رئيس دولة فلسطين محمود عباس، اليوم الاثنين، في الدوحة، أمير دولة قطر …