10:32 صباحًا / 15 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

التعليم المدرسي في فلسطين بين قيود الواقع وأفاق المستقبل ، بقلم : د. زبيدة صبحي سلمان

التعليم المدرسي في فلسطين بين قيود الواقع وأفاق المستقبل ، بقلم : د. زبيدة صبحي سلمان


يواجه التعليم في فلسطين مجموعة من التحديات التي تؤثر على جودة النظام التعليمي وفرص التعلم للطلاب، وكلما هممتُ بتناول نوعٍ من أنواع هذه التحديات وجدتُ أن الآخر يزاحمه في الأهمية، وكأنها حلقات متشابكة يصعب فصل إحداها عن الأخرى. فالتعليم يواجه ضغوطاً سياسية واجتماعية معقّدة، تتجلى في القيود المفروضة على الحركة واستهداف البنية التحتية التعليمية. ويزداد الأمر صعوبة مع الوضع الاقتصادي السيئ الذي يثقل كاهل الأسر والمعلمين على حد سواء، ويجعل الوصول إلى تعليم نوعي وعدالة في الفرص أكثر تعقيداً. إنَّ أكبر عائق يواجِه التعليم المدرسي الحكومي في فلسطين هو نقص الموارد المالية والتمويل الكافي الذي يُعَدُّ حجر العثرة الرئيس لدعم التعليم وتحسين ظروفه. بما أن الفلسطينيين لا يملكون نظامًا ماليًا أو اقتصاديًا مستقلًا يمكنه تمويل التعليم، فإن السلطة الفلسطينية تجد نفسها عاجزة أمام هذا الواقع التربوي، حيث تكون غير قادرة على تحمل تكاليف التعليم بشكل كاف، وعلى الوفاء بكامل التزاماتها وتحقيق التطلعات والتحسين الفعّال للنظام التعليمي. إن تأخر صرف الأجور يؤثر على معيشة أكثر من 53 ألف معلم. وقد تسبب ذلك في تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمعلمين، مما أثر سلبًا على جودة التدريس وتعلم الطلاب. وبشكل عام، يعتبر الاعتماد الاقتصادي على المساعدات الخارجية لإعادة بناء التعليم أمرًا هشًا، مما يجعل نظام التعليم وتطلعات الأمة معرضين للتهديد المستمر.


ويترتب على ذلك، تردي أوضاع المعلمين والذي يعتبر من العوامل الرئيسية التي يجب التركيز عليها وتحتاج إلى تحسين فوري. إن مجتمع التدريس في فلسطين يعاني من نقص التقدير والاعتبار الكافي، مما يثير العقبات أمام انضمام الكفاءات الجديرة لهذا الميدان. ويُظهر هذا الإهمال الواضح عدم جاذبية المهنة مما يؤدي إلى إحباط العاملين في هذا المجال، حيث يصبح التدريس وسيلة للتواجد في مواقع العمل دون الاكتراث الكافي. هذا السيناريو يتجلى في تدني مستويات الأجور، نقص الحوافز، وتدني مؤهلات المدرسين. وتصاعد هذه التحديات ينتج عنه انخراط المعلمين في وظائف إضافية لتعويض الرواتب المتدنية، مما يؤثر سلبًا على رغبتهم وانتمائهم للمهنة، وعلى قدرتهم على نقل المعرفة بشكل فعّال خلال فترة التدريس.


اما التحدي الثالث والذي لا يقل أهمية عن سابقيه هو نقص البنية التحتية والمرافق التعليمية والتقنية، إذ تظهر البنية التحتية للتعليم بوصفها قديمة ومتهالكة، حيث أفسدها مرور الزمن. ويعاني قطاع التعليم من نقص الإمكانيات اللازمة لتلبية احتياجات التوسع في مؤسسات التعليم، وخاصة إنشاء مدارس جديدة وترميم وتوسيع المدارس الحالية لتلبية الزيادة المتسارعة في عدد السكان وضمان بنية تحتية تتماشى مع تقدم التعليم ومتطلباته. إذ يبلغ متوسط عدد التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد 42 تلميذًا، ويُعَدُّ هذا وحده تحديًا كبيرًا بسبب الاكتظاظ داخل الفصول الصفية، مما يؤثر سلبًا على نتائج التعلم. كما تفتقر معظم المدارس إلى المختبرات العلمية والحاسوبية واللغوية وتكنولوجيا التعليم الحديث.


أما المناهج، فلا تزال المناهج التعليمية الفلسطينية توصف بالتقليدية رغم كل عمليات الإصلاح والتجديد، فهي تقليدية في توجهاتها كما يغلب عليها الطابع النظري والتلقيني على حساب الجانب التطبيقي والتعليم التكنولوجي، فهي تفتقر إلى الاتساق بين محتوياتها وأهدافها وبين قدرات التلاميذ ومهاراتهم وميولهم وواقع المجتمع ومشكلاته وحاجاته. ومن أهم الانتقادات الموجهة للمنهاج الفلسطيني أنه لا يطرح طرقاً متعددة ومنوعة للتعلم مما يهدد بخطر الجمود والقصور، والمنهاج القائم لا يعمل على مراعاة الفروق الفردية وتفاوت التلاميذ مما ينعكس سلبا على تحصيلهم.

ومحتوى المنهاج الفلسطيني غير متناسب مع المتطلبات الخاصة للامتحانات الدولية التي يشارك فيها الطلاب، مما له من تأثير سلبي على أدائهم. وقد أشار كل من Khaldi&Kishek (2021) في دراسة تحليلية لمحتوى المناهج الفلسطينية هدفت إلى تحليل مناهج العلوم والرياضيات الفلسطينية الجديدة للمرحلة المتوسطة في ضوء مهارات القرن 21، لتحديد مدى قدرتها على إعداد مواطنين يتمتعون بدرجة كافية ومتوازنة من المهارات التي تعدهم للحياة بفعالية في القرن 21 وما يحمله من تحديات مختلفة. وتم تطوير معيار استخدم إطارا عاما للتحليل، يقوم على اثني عشر محورا رئيسيا لمهارات القرن 21 هي الابداع والابتكار، التفكير الناقد وحل المشكلات، الاتصال والتواصل، التعاون، الثقافة المعلوماتية، الثقافة الإعلامية، ثقافة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، المرونة والتكيف، المبادرة والتوجيه الذاتي، المهارات الاجتماعية عابرة الثقافات، الانتاجية والمساءلة، والقيادة والمسؤولية. وتبين أن هذه المناهج تعرض مهارات القرن الحادي والعشرين بشكل ضعيف، وغير متوازن، مع تركيز منخفض واهتمام غير كافي بمعظم المهارات التي تم تحليلها.


إن مواجهة التحديات التي تعترض التعليم المدرسي في فلسطين، ولا سيما التحديات الاقتصادية، تتطلب رؤية متكاملة تقوم على تضافر الجهود المحلية والمجتمعية والدولية. فعلى المستوى المحلي، يبرز دور الدولة في حسن إدارة الموارد وتوجيهها للأولويات. أما المجتمع فيحمل على عاتقه مسؤولية الإسناد عبر المبادرات التطوعية وتعزيز الشراكات مع المدارس. وفي السياق الدولي، يبقى استقطاب الدعم والتمويل المستدام ضرورة لتعويض ما يفرضه الواقع من قيود ونقص في الإمكانات. وبهذا التكامل بين الداخل والخارج، وبين الجهود الفردية والمؤسسية، يظل التعليم الفلسطيني قادراً على الصمود، متجدداً في رسالته، وحاملاً شعلة الأمل بأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق لبناء مجتمع متماسك ومستقبل أكثر إشراقاً.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم السبت 13 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …