2:53 مساءً / 12 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

دور الصين في الشرق الأوسط ، النفوذ الاستراتيجي وتحديات المواجهة الغربية ، بقلم : مصعب الصباريني

دور الصين في الشرق الأوسط: النفوذ الاستراتيجي وتحديات المواجهة الغربية ، بقلم : مصعب الصباريني

يمثل الشرق الأوسط اليوم فضاءً حيوياً لإعادة تشكيل التوازنات الدولية، حيث تتراجع قدرة المراكز التقليدية على الهيمنة المنفردة، ويبرز في المقابل فاعلون جدد يعيدون رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وفي مقدمة هؤلاء تأتي الصين كلاعب استراتيجي صاعد، مستندة إلى قوتها الاقتصادية المتنامية ودبلوماسيتها النشطة، وهو ما أثار استجابات متباينة من الغرب تراوحت بين الاحتواء والضغط والعقوبات.


تسعى بكين إلى التغلغل في المنطقة عبر أدوات اقتصادية طويلة الأمد، تتنوع بين التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية واللوجستيات، فقد أظهرت استطلاعات دولية أن أكثر من 80% من الشركات الصينية تعتبر السعودية والإمارات وجهتين أساسيتين لاستثماراتها، بما يعكس انتقالاً من مجرد تعاون تجريبي إلى شراكات استراتيجية متكاملة، ففي مجال الطاقة، تستورد الصين ما يقارب 14% من النفط من إيران وأكثر من ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات، ما يجعل المنطقة مصدراً لا غنى عنه لأمنها الطاقوي، أما في ميدان المشاريع الكبرى، فقد قفزت استثمارات الصين ضمن مبادرة “الحزام والطريق” بنسبة لافتة خلال السنوات الأخيرة، متجلية في مشاريع بارزة مثل العاصمة الإدارية الجديدة في مصر وخطوط السكك الحديدية في الإمارات، كما عززت حضورها في الموانئ عبر امتلاك حصص فيما لا يقل عن عشرين مشروعاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينها ميناء الدقم في عُمان والفجيرة وخليفة في الإمارات.


وموازاة مع القوة الاقتصادية، صاغت الصين استراتيجية دبلوماسية براغماتية تركز على دور الوساطة وتخفيف حدة النزاعات بدلاً من التورط المباشر فيها، فقد لعبت دوراً محورياً في الوساطة بين السعودية وإيران عام 2023، وهو تطور حال دون تقدم مشروع التحالف العربي الإسرائيلي الذي سعت واشنطن إلى ترسيخه، كما دفعت باتجاه تعزيز صيغ التعاون متعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون التي انضمت إليها إيران، ومنصة “بريكس” التي تطرحها بكين كبديل للمؤسسات الغربية، ومع ذلك، فإن مقاربة الصين بقيت حذرة في الأزمات الإقليمية الساخنة، كما برز خلال التصعيد بين إسرائيل وإيران عام 2025، حيث اكتفت بالدعوات إلى ضبط النفس وتجنبت الانحياز المباشر رغم الضغوط الأمريكية.


في المجال العسكري، ما تزال بكين تمارس قدراً كبيراً من التحفظ، إذ يقتصر وجودها العسكري الخارجي على القاعدة المنشأة في جيبوتي عام 2016 لحماية طرق التجارة، وإن كانت المؤشرات تفيد بوجود خطط لتوسيع هذا الحضور عبر شبكة قواعد مستقبلية في البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج. وتكشف المناورات المشتركة مع دول المنطقة، مثل “نسور الحضارة” التي أجرتها مع مصر عام 2025، عن سعيها لتطوير شراكات عسكرية دون التورط في صراعات مباشرة.
لكن على الرغم من النجاحات، تواجه الصين تحديات معقدة، فهي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من المنطقة، ما يجعلها عرضة لأي تهديد محتمل في مضيق هرمز، كما أن النزاعات المزمنة، مثل التوتر بين إسرائيل وإيران، تكشف حدود نفوذها على توازنات المنطقة، إلى جانب ذلك، فإن تباطؤ الاقتصاد الصيني الداخلي قد يقلص الموارد المخصصة للتوسع الخارجي.


أما الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، فيستخدم مروحة من الأدوات لمواجهة التمدد الصيني، فقد أدت العقوبات الأمريكية على إيران إلى تقليص صادراتها النفطية إلى الصين بأكثر من النصف خلال عام واحد، وتواصل واشنطن الاعتماد على شبكة قواعدها العسكرية لمراقبة النشاط الصيني، إضافة إلى ممارسة ضغط دبلوماسي متكرر، خصوصاً بعد وساطة بكين بين الرياض وطهران التي اعتبرتها الولايات المتحدة جزءاً من المنافسة العالمية.


في المحصلة، يعكس الحضور الصيني في الشرق الأوسط ملامح التحول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، فهي توازن بين الاستثمار الاقتصادي، والوساطة الدبلوماسية، والحضور العسكري المحدود، بينما يعتمد الغرب على مزيج من العقوبات والتحالفات والوجود العسكري لاحتوائها، غير أن دول المنطقة باتت أكثر ميلاً إلى تنويع خياراتها وتجنب الارتهان لطرف واحد، ما يمنحها مساحة أوسع للمناورة بين القوى الكبرى، لكنه يفتح أيضاً الباب أمام مخاطر التصعيد في خضم التنافس الصيني الأمريكي، وستبقى المرحلة المقبلة رهناً بقدرة بكين على ضمان استقرار إمدادات الطاقة، وتفادي المواجهة المفتوحة، مع الحفاظ على دورها كوسيط محايد وفاعل في توازنات الشرق الأوسط.

  • – مصعب الصباريني – لوغانسك

شاهد أيضاً

إصابة شخصين بعملية طعن في القدس واعتقال المنفذ

شفا – أصيب شخصان بجروح في عملية طعن في كيبوتس “تسوفا” في منطقة القدس، اليوم …