3:33 مساءً / 11 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

كي الوعي والقصف المتعمد.. ، الأبراج في غزة ، بقلم : بديعة النعيمي

كي الوعي والقصف المتعمد.. ، الأبراج في غزة ، بقلم : بديعة النعيمي

لطالما حملت الأبراج وهي مبان شاهقة، رمزيات مختلفة عبر التاريخ.فبينما ارتبطت في العصور الوسطى بالرمزية الدفاعية، فإنها في العصر الحديث حملت رمزية العظمة الهندسية والقوة الاقتصادية والتطور والنمو للمدن.


وغزة واحدة من هذه المدن، إلا أن لها خصوصيتها من حيث المساحة والكثافة السكانية. ولذلك فقد لجأت إلى بناء الأبراج، فكان أول برج بني على أرضها هو برج فلسطين، وهو برج سكني وتجاري تم إنشائه عام ١٩٩٤ في حي الرمال بساحل مدينة غزة. ثم توالت عملية بناء الأبراج، فكان برج مشتهى وبرج السوسي، والرؤيا التجاري ورؤيا السكني، وقد تم تدميرها كلها في شهر سبتمبر/٢٠٢٥ خلال عملية “جدعون٢”. أما برج فلسطين الآنف الذكر فقد دمرته طائرات الاحتلال عصر يوم السبت، السابع من أكتوبر/٢٠٢٣, وكان أول الأبراج بناءا وأولها انهيارا.

وهذا ليس العدوان الأول على الأبراج ففي كل عدوان صهيوني على قطاع غزة على مدار سنوات كانت تحتل صدارة المشهد وهي تنهار تحت القصف الجوي المتوحش.


فما الذي يجعل الأبراج المدنية في غزة، بما تمثله من بنى سكنية وتجارية، على رأس قائمة الأهداف؟ ولماذا تصر دولة الاحتلال على هدمها؟

تعتبر الأبراج في غزه بالإضافة إلى كونها أماكن للسكن والتجارة، رمزا للحياة في منطقة تحاصر منذ أكثر من ١٧ عاما، ويمنع عنها النمو العمراني الطبيعي، وتحارب في أدق تفاصيل البقاء، وبالتالي فإن هذه الأبراج تمثل في نظر أهل غزة، ناطحات أمل أكثر منها ناطحات سحاب. ولذلك فإن في كل تفصيلة فيها يكمن معنى لا يفهمه إلا أهلها. وبالتالي، فإن استهداف الأبراج يسحق هذا المعنى.

ودولة الاحتلال تدرك هذه الرمزية جيدا، لذلك فإن استهداف الأبراج يأتي في صلب العقيدة العسكرية الصهيونية المسماة ب “كي الوعي”، الذي يهدف في الأساس إلى قتل الوعي الجمعي، والنسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى القضاء على أي بقايا للأمل في الحياة.


والرسالة هنا واضحة ومقصودة، وهي أن “كل ما تبنونه سندمره، وكل ما تحاولون الحفاظ عليه سنحوله إلى رماد”. وبالتالي فإن هذا العدو الخطير يشتغل على سياسة تهديم منظم للهوية ومفهوم أهل غزة عن المستقبل.

وتأتي مبررات هذا الفعل الشنيع والتي


يتم تسويقها بخباثة في الإعلام الدولي أن “المقاومة الفلسطينية تستخدم الأبراج لتخزين السلاح”، أو “تستعملها كبنى تحتية”. ورغم افتقار هذه المزاعم للأدلة الملموسة، إلا أن العالم بمؤسساته ومنظماته، يقف ما بين عاجز أو متواطئ.

كما أن لتدمير الشواهق من المباني في غزة، وظيفة داخلية في دولة الاحتلال. فالقيادة الصهيونية الفاشلة التي عجزت عن تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها “نتنياهو” منذ السابع من أكتوبر، تسعى اليوم ومن خلال عملية التدمير هذه إلى استعادة زمام المبادرة عبر صور “الانتصار” المزعوم. فانهيار برج مكون من عدد من الطوابق على الهواء مباشرة، يشكل بالنسبة لها مادة دسمة للإعلام العبري، ورسالة انتخابية وسياسية ناجحة لجمهور الشتات.

وفي الوقت نفسه، فإن تدمير هذه الأبراج يهدف لقطع شريان الحياة الاقتصادي والاجتماعي عن أهلنا في غزة. فكثير من الأبراج تضم مكاتب إعلامية، وعيادات طبية، ومحلات تجارية وغيرها، وبتدميرها تعم الفوضى.

وفي النهاية إن ما تقوم به دولة الاحتلال من استهداف للأبراج ما هو إلا استمرار لعقيدة قديمة ترى في “تكسير الروح الجماعية وتحطيم الإرادة” سياسة، دون أن تدرك أن تحت الركام بذرة لجيل جديد يرى وطنه من خلال إرادة الصمود وأن كل برج يهدم، يبنى بدلا منه وعي أرسخ، وأن الصراع على أن من يملك الحق، هو الذي يجب أن يبقى ويحيا، أما المعتدي فهو الذي يجب أن يموت أو يغادر.

شاهد أيضاً

اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني تعقد اجتماعها الرابع

اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني تعقد اجتماعها الرابع

شفا – عقدت اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، اليوم الخميس، اجتماعها الرابع، وذلك في …