12:13 صباحًا / 6 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

الثعلب الذي سَخِر من زئير الأسد ، بقلم : د. وليد العريض

الثعلب الذي سَخِر من زئير الأسد ، بقلم : د. وليد العريض


الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (23)

في صباحٍ رماديٍّ ثقيل، اجتمعت حيوانات الغابة حول صخرة عالية. وقف الثعلب يتمايلُ بذيله كالمعلِّم العارف ويصيح بلهجة الواثق:

الأسد قد جُنّ! زأر في وجه الضباع وها هو يجرّ الغابةَ كلَّها إلى الخراب! لو كان حكيمًا لنام في وكره، أو انتظر لقمةً يابسةً يرميها الصياد!.


صفّقت الغربان بأجنحتها السوداء ونعقت بصوتٍ مبحوح:

صدقت أيها الثعلب! نحن نقتات على الجيف منذ أجيال، وما قتلنا الذلّ ولا أبادنا الجوع. فليتعلم الأسد منّا فنَّ الصبر على الهوان!.

قهقه ضبعٌ من بعيد، وقال للثعلب:


دَعْهُ يزأر… نحن نقتات من صرخاته كما نقتات من جثثكم. كل زئيرٍ عندي وليمة!.
ابتسم الثعلب بخبث وأجابه:

وأنا سأكتب عن جنونه، لعلّ الصياد يُلقي إليّ ببعض الحبوب بدل العظام.

لكن النسر العجوز وقد دوّت أجنحته فوق الرؤوس، هبط بجلالٍ وقال بتهكّمٍ لاذع:

يا للعار! أنسيتم أن الضباع كانت تفترس الوكر كل ليلة؟ أنسيتم أن الصياد لا يملّ من نيرانه؟ متى عاشت الغابة آمنة حتى تقولوا إن زئير الأسد أضاعها؟.

تقدّمت غزالة هزيلة، ترتجف أنفاسها وتدمع عيناها:

أنا رأيتُ الأشبال يموتون جوعًا ورأيتُ المرعى يحترق والنهر يجفّ. لم يعد في الصمت بقاء. زأر الأسد لا ليُهلكنا، بل ليصرخ باسمنا.

سكتت الحيوانات لحظةً، قبل أن ينطق البوم الحكيم وهو يرمق الثعلب والغربان والضباع:

الثعلب يرى الجنون في الزئير، لأنه عاش عمره يقتات على الفتات. الغربان تسخر لأنها تزيّنت بالسواد حتى ألفته. والضبع يضحك لأن الرائحة عنده أصدق من أي معنى. أمّا الكرامة، فتدرك أن زئير الأسد لم يكن انتحارًا، بل ميلادًا جديدًا للغابة. نعم ستنهش الضباع اليوم، لكن غدًا سيبقى صدى الزئير أقوى من مخالبهم وأصدق من نعيقكم.

رفعت الحيوانات رؤوسها نحو الصخرة وصوت الزئير ما زال يتردّد في الأفق.

الأسد لم ينتحر.
الغابة لم تمت.
الميتون حقًّا، هم أولئك الذين اعتبروا الركوع حياة.

شاهد أيضاً

حركة فتح تثمن الموقف المبدئي والثابت الذي عبّرت عنه جمهورية الصين الشعبية بشأن حل الدولتين

حركة فتح تثمن الموقف المبدئي والثابت الذي عبّرت عنه جمهورية الصين الشعبية بشأن حل الدولتين

شفا – تُثمِّن حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” الموقف المبدئي والثابت الذي عبّرت عنه جمهورية …