3:51 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

ومضات نارية ، بقلم رانية مرجية ، و قراءة بقلم الناقدة : ايمان مصاروة

ومضات نارية ، بقلم رانية مرجية ، و قراءة بقلم الناقدة : ايمان مصاروة

1
احترقوا…
لكنهم ما زالوا
يرسمون ابتسامة
بفحم الألم.

2
صرخوا: “حرية!”
فأمطروهم بالرصاص.
الحرية ما زالت
تنزف.

3
في زمن الرماد
صارت الكلمات
قنابل مؤجلة.

4
قالت أمه:
خذ معك سترة
عاد بقماش الكفن
دون أزرار.

5
يُطفئون نارك
بماء الخيانة،
ثم يتهمونك
بإشعال الفتنة.

6
ليس كل ما يُحرق
رمادًا،
بعض الجمر
باقٍ في العيون.

7
في السجون
تنمو القصائد
وتتعلم
كيف تصرخ دون صوت.

8
وعدونا بالسلام،
دفنونا
تحت خرائط
الاحتلال.

9
كلما احترق حلم
أضاءت روحي
كشمعة
تفضح العتمة.

10
همس الوطن:
اكتبي
ولو على جدران القبر،
سيفهم القادمون
الرسالة.

قراءة بقلم الناقدة ايمان مصاروة

تمثل ومضات الشاعرة رانية مرجية نموذجاً لقصيدة (الومضة) التي ظهرت كشكل حداثي في الشعر العربي المعاصر (عز الدين المناصرة) وتتميز هذه الومضات بكثافتها الدلالية وإيجازها اللغوي، حيث تتجاوز الشكل التقليدي للقصيدة نحو فضاء تعبيري مكثف يحمل طاقة انفعالية وفكرية عالية


وتتجلى في ومضتي “الأسير” الأولى والسادسة ثنائية جدلية بين القيد المادي والانعتاق الروحي، (الحرية والسجن) ويمكن تفسير هذه الثنائية وفق نظرية ميشيل فوكو حول “السلطة والمقاومة” (1975)، حيث يصبح الجسد موقعاً للصراع بين سلطة القمع وإرادة التحرر، فعبارة: “عينيه تكسران قضبان الغيبوبة في وجوهنا” تحيل إلى ما أسماه إدوارد سعيد: بـ”النظرة المضادة” في كتابه “الثقافة والإمبريالية”.


وتعالج الومضات الثانية والتاسعة مفهوم الوطن بوصفه فضاءً متناقضاً: “منفى… نسكنه حباً”. هذا التناقض يستدعي مفهوم “الاغتراب” عند هيجل وماركس، وكذلك مفهوم “المنفى الداخلي” عند إدوارد سعيد في “تأملات حول المنفى” (2000)، فالومضة التاسعة تنقل الوطن من المفهوم السياسي إلى المفهوم الإنساني!!، متجاوزة التعريفات الرسمية للهُوية الوطنية.


وتقدم الومضتان الثالثة والسابعة رؤية وجودية للموت تتجاوز البعد المادي نحو البعد الفلسفي. تتقاطع هذه الرؤية مع الفلسفة الوجودية عند هايدغر في مفهوم “الكينونة نحو الموت” في كتابه “الوجود والزمان”، كما تستحضر مفهوم “العدمية الإيجابية” عند نيتشه، حيث يصبح الموت “باباً” وليس نهاية.


وأما الومضات الرابعة، والثامنة، والخامسة، والعاشرة، نجد الشاعرة مرجية تقدم، نقداً لاذعاً للمشهد الثقافي المعاصر، حيث تكشف الشاعرة عن آليات السلطة والهيمنة في المجال الثقافي


وتعتمد هذه الومضات على تقنية التكثيف اللغوي الشديد، وهي سمة أساسية في الشعر الحداثي كما يرى “رولان بارت” ويظهر ذلك في استخدام جمل قصيرة وعبارات مكثفة تختزل تجارب إنسانية، وما يميز أسلوب الشاعرة أنها تستخدم المفارقة كأداة تعبيرية أساسية، مثل: “منفى… نسكنه حباً” و”يتباهون بالكتابة عن الشهداء وهم لا يعرفون كيف يكتبون اسمَ شهيدٍ”. هذه المفارقات تستدعي مفهوم “التناقض الديالكتيكي” عند تيودور أدورنو في “الجدل السلبي” ( 1966)


تتميز الصور الشعرية بتركيبها رغم بساطتها الظاهرية قولها: “تغسل كفن أبي وتعجنه بدمعها” و”ينحت وجه حريته على جدارٍ أعور”، فهذه الصور تتجاوز الوظيفة الزخرفية لتصبح أداة معرفية. ويظهر التناص في عدة مواضع، خاصة في ومضات “الأسير والوطن”، حيث تستدعي الشاعرة موروث أدب السجون والمنفى في الأدب المعاصر.
وتنطوي الومضات على أبعاد اجتماعية وسياسية واضحة، خاصة في تناولها لقضايا، الأسر والوطن، والسلطة، والثقافية، حيث تكشف الشاعرة عن آليات الهيمنة وإمكانات المقاومة الثقافية
وأخيرًا تتجاوز الشاعرة رانية مرجية في نصوصها وظيفة التعبير الذاتي، وتقدم رؤية نقدية شاملة للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي، مستفيدة من تقنيات الحداثة الشعرية وآلياتها الجمالية.

المراجع


أدونيس. (1985). الشعرية العربية. دار الآداب
إدوارد سعيد. (2000). تأملات حول المنفى. المؤسسة العربية للدراسات والنشر
بيير بورديو. (1993). قواعد الفن: تكوين الحقل الأدبي. ترجمة إبراهيم فتحي. دار الفكر
جوليا كريستيفا. (1969). سيميوطيقا: دراسات في السيميائية. ترجمة فريد الزاهي. دار توبقال
رولان بارت. (1953). درجة الصفر للكتابة. ترجمة محمد برادة. دار الطليعة
غاستون باشلار. (1958). جماليات المكان. ترجمة غالب هلسا. المؤسسة الجامعية للدراسات
كمال أبو ديب. (1995). في الشعرية. مؤسسة الأبحاث العربية
ميشيل فوكو. (1975). المراقبة والعقاب: ولادة السجن. ترجمة علي مقلد. مركز الإنماء القومي

شاهد أيضاً

محمد الشلالدة يؤكد على أهمية حق المرأة في المشاركة في بناء المؤسسات والهيئات المحلية

محمد الشلالدة يؤكد على أهمية حق المرأة في المشاركة في بناء المؤسسات والهيئات المحلية

شفا – أكد الرفيق محمد الشلالدة، عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، خلال لقائه …