1:44 مساءً / 24 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

فجوة التعليم في فلسطين ، بين الأزمة الوطنية وصعلكة الاحتلال ، بقلم : نسيم قبها

فجوة التعليم في فلسطين : بين الأزمة الوطنية وصعلكة الاحتلال ، بقلم : نسيم قبها

أزمة التعليم في قلب الأزمة الوطنية

في قلب الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) المستمر وغير المسبوق في العصر الحديث ، تبرز أزمة تعليمية تعلمية عميقة تمثل واحدة من أخطر التحديات الوجودية التي تواجه الشعب الفلسطيني. لا تقف هذه الأزمة عند مجرد اختلالات تقنية أو إدارية يمكن معالجتها بترميمات سريعة، بل إنها من تتبع مفاصلها هي فجوة منهجية بين الواقع التعليمي المُنهك وبين مسؤولية الحكومة والوزارة في توفير تعليم جيد ومنصف كما يليق بتاريخ هذا الشعب . تتعمق هذه الفجوة يومًا بعد يوم تحت وطأة الاحتلال المستمر والظروف الاقتصادية الخانقة، مما يهدد بانهيار المنظومة التعليمية برمتها إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية عاجلة غير بيروقراطية.

الواقع التعليمي الفلسطيني: تشريح الأزمة متعددة الأبعاد

في التحديات الهيكلية والاستعمارية المتتالية في فلسطين ، يواجه التعليم تحديات بنيوية عميقة تتمثل في الاستهداف المنهجي للمؤسسات التعليمية من قبل الاحتلال (الإسرائيلي). فمنذ عام 1967، اتبع الاحتلال سياسات ممنهجة لاستهداف التعليم الفلسطيني شملت تدمير المدارس، وتقييد الحريات الأكاديمية، وتشويه المناهج الدراسية، واعتقال الكوادر التعليمية . وقد اتسع نطاق هذا الاستهداف خلال الحرب الحالية على غزة والضفة ، حيث دُمّر غالبية المدارس والجامعات بشكل كلي أو جزئي، مما أثر على تعليم 625,000 طالب وطالبة، وتسبب باستشهاد وإصابة آلاف المعلمين والطلاب في غزة لوحدها ، وفي الضفة بشكل أقل ماديا ، إلا أنها بذات الخطورة.

الإخفاقات الداخلية والهدر التربوي

في مقابل هذه التحديات الخارجية، تعاني المنظومة التعليمية الرسمية من إخفاقات داخلية تتمثل في ضعف التخطيط الاستراتيجي المفقود على أرض الواقع ، وغياب الرؤية التربوية الشاملة. فخلال جائحة كورونا، على سبيل المثال، كشفت الأزمة عن هشاشة البنية التحتية الرقمية وعدم جاهزية المؤسسات التعليمية لمواجهة الطوارئ، مما أدى إلى تفاقم الفجوة التعليمية بين الطلاب . كما أن غياب الخطط بعيدة المدى وكثرة التخبط وتقلب القرارات في السياسة التعليمية أدى إلى تراكم المشكلات بدلاً من حلها .

الأزمة المالية وتداعياتها على المسيرة التعليمية

تشكل الأزمة المالية الخانقة أحد أبرز مظاهر العجز الرسمي، حيث أدت إلى تأجيل بدء العام الدراسي 2025/2026 لأول مرة في التاريخ الفلسطيني، كما عجزت الحكومة عن صرف رواتب منتظمة للمعلمين منذ فترة طويلة . وقد نتج هذا عن الاحتلال (الإسرائيلي) لموارد الشعب الفلسطيني وقرصنة أموال المقاصة، مما أثر على استكمال الجاهزية للعام الدراسي، بما في ذلك صعوبة إنهاء بناء مدارس جديدة، وتأخر أعمال الصيانة، وتأخر توفير الكتب المدرسية .

فجوة المسؤولية: بين الواجب والتقصير

تكمن الفجوة الأساسية هنا في العجز الواضح للحكومة الفلسطينية عن حماية الحق الأساسي في التعليم، وهو ما يتجلى في عدم قدرتها على توفير الحد الأدنى من متطلبات العملية التعليمية، وعدم تمكينها من تأمين البيئة المدرسية الآمنة، وفشلها في بناء نظام تعليمي قادر على الصمود في وجه التحديات. وقد اعترف الناطق باسم وزارة التربية والتعليم بأن الوزارة “اضطرت إلى تأجيل العام الدراسي لصعوبة الوضع المالي بالغ التعقيد” .

إهمال العنصر البشري وتهميش المعلم

ربما يكون تهميش المعلم الفلسطيني أحد أبرز مظاهر الفجوة بين الممارسة والمسؤولية. فبينما يُعتبر المعلم حجر الزاوية في أي عملية تربوية، نجد أنه يعاني من تأخر صرف أجزاء من رواتبه بشكل منتظم، وغياب الضمانات الاجتماعية، وضعف الاستثمار في تطويره المهني. وقد عبر اتحاد المعلمين الفلسطينيين عن هذا الواقع – مع أن الاتحاد جزء من المشكلة – بقوله: “المعلم الفلسطيني لم يكن يومًا مجرد ناقل للمعرفة، بل كان ولا يزال رمزًا للعمل التربوي والوطني، وصوتًا للكرامة في وجه سياسات الاحتلال” .

نحو رؤية تربوية تحويلية: سبل تجسير الفجوة

للانتقال من الترقيع الطاغي إلى التأسيس المتهجي ، يتطلب الأمر لتجسير هذه الفجوة تحولاً جذرياً في النهج من الاستجابة للأزمات إلى بناء نظام تعليمي مقاوم للتحديات. ويبدأ هذا بتبني استراتيجيات تنموية مستدامة في ضوء معايير إدارة الجودة الشاملة، وهو ما أظهرت الدراسات إمكانية تحقيقه حتى في الظروف الصعبة كما في مدارس القدس . كما يتطلب إشراك المجتمع المدني وبناء شراكات فاعلة مع المؤسسات الدولية الداعمة للتعليم .

تمكين المعلم واستثمار واع في الطالب

يجب أن تكون استعادة مكانة المعلم في صلب أي إصلاح تربوي، من خلال توفير رواتب منتظمة، وإنشاء صندوق للطوارئ والأزمات لإسناد المعلم الفلسطيني . كما يتطلب الأمر تبني نموذج تربوي تحويلي يحرر العملية التعليمية من النهج التلقيني التقليدي، ويتبنى استراتيجيات تعزز مهارات التفكير العليا لدى الطلاب، وهو ما أظهرت التجربة إمكانية تحقيقه حتى في ظل أصعب الظروف .

بناء نظام تعليمي مرن وصامد

في مواجهة الاستهداف المنهجي للتعليم، يتطلب الخروج من الأزمة تبني نماذج تعليمية بديلة كالتعليم الشعبي والتعليم عن بعد التي أظهر الفلسطينيون قدرة مبدعة عليها في فترات الأزمات . كما يجب الاستفادة من الدعم الدولي والضغط على المجتمع الدولي للوقوف عند مسؤولياته في حماية التعليم في فلسطين، كما تدعو إلى ذلك منظمات التعليم الدولية .

التعليم كحق وكمقاومة

تبقى المسؤولية الأخلاقية والقانونية للحكومة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم قائمة ومستمرة في توفير تعليم جيد ومنصف رغم كل التحديات. فالتعليم في فلسطين ليس مجرد خدمة، بل هو حق أساسي وأداة تحرر ومقاومة وجودية. إن إنصاف المعلمين وإنقاذ العملية التعليمية من الانهيار يتطلبان جرأة في الاعتراف بالإخفاق، وشجاعة في تبني حلول جذرية، وإرادة سياسية حقيقية تجعل من التعليم أولوية وطنية عليا. فقط من خلال رؤية تربوية تحررية شاملة يمكن تحويل التعليم من مجرد ممارسة روتينية إلى مشروع نهضوي حقيقي قادر على صنع المستقبل.

  • – نسيم قبها – الإئتلاف التربوي الفلسطيني – الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

وفد من السفارة الصينية لدى فلسطين يزور دائرة حقوق الانسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية

وفد من السفارة الصينية لدى فلسطين يزور دائرة حقوق الانسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية

شفا – زار وفد من السفارة الصينية لدى دولة فلسطين ممثلاً بنائب السفير الصيني السيد …