
لا سلام ولا استقرار دون اقامة الدولة الفلسطينية ، بقلم : اللواء سمير عباهره
تعاقب على رئاسة الولايات المتحدة الامريكية منذ قيامها الكثير من الرؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لكن مما لا شك فيه ان دونالد ترامب من اكثر الرؤساء الامريكيين محافظة ويمينية ودعما لإسرائيل وولاء لسياساتها بشكل عام وتحديدا في تعاطيها مع الفلسطينيين. ولعل بداية الانطلاقة في هذا التحليل يكون من خلال تفحص المدخل البيروقراطي في السياسة الامريكية اذ ثبت ان التعيينات التي قام بها الرئيس ترامب في ادارته الجديدة الثانية انها تشي وتوحي بشكل فج ان الرجل ذاهب باتجاه تبني الرؤية الاسرائيلية اليمينية الاستيطانية التوراتية ليس فقط من خلال تدمير قطاع غزة وإخراجه من حيز العيش الادمي وإنما حسم قضية التعامل مع الملف الفلسطيني بشكل عام حيث ترسخ سياسات الاستيطان والتهويد والقتل والاعتقال وتغيير معالم الجغرافيا السياسية وتضييق حيز العيش الانساني للفلسطينيين في الضفة الغربية.
دعوة ترامب جميع دول الشرق الاوسط للانضمام الى اتفاقيات التطبيع مع اسرائيل قائلا “ان ذلك سيضمن السلام في المنطقة” في حين تستمر حرب الابادة والتجويع الاسرائيلية في قطاع غزة بدعم من واشنطن وتبنيها وجهات نظر ورؤى استراتيجية متطابقة مع اسرائيل ارتباطا بأهمية تغيير معالم وملامح الشرق الاوسط واخراج نسخ جديدة منه عبر اعادة تموضع التحالفات والتحالفات المضادة وتعميق مسار جديد للاستقطاب الاقليمي في عالم مرتبك وصولا الى فرضية الصدام المباشر”لراس الافعى”عبر استهداف المواقع النووية الايرانية والمراكز الاستراتيجية الكبرى داخل ربوع ايران لا سيما بعد استنفاذ الخيارات الاخرى بما فيها العقوبات الاقتصادية والاحتواء السياسي.
ويعتقد ترامب ان ايران كانت تشكل عائقاً رئيسياً أمام أجندة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ولم تكن هذه الأجندة تتعلق فقط أو حتى في المقام الأول بتعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة بل كانت تتعلق بتوجيه ضربة إستراتيجية لمحور “المقاومة” الذي تقوده إيران وتعزيز شبكة واشنطن من الشركاء الإقليميين وسط تصاعد المنافسة بين القوى العظمى على مستوى العالم ولهذا يعتقد ترامب بأن تحقيق هذه الاهداف يمر من خلال اضعاف ايران وصولا الى عمليات التطبيع التي عرفت باتفاقيات ابراهام حين قال” الآن وقد مُحقت الترسانة النووية التي صنعتها إيران من المهم جدا عندي أن تنضم جميع دول الشرق الأوسط إلى اتفاقيات أبراهام”.
دعوة ترامب لدول الشرق الاوسط للانضمام لاتفاقيات ابراهام والتطبيع مع اسرائيل وبأن ذلك سيضمن السلام في المنطقة هي دعوة بعيدة جدا تشابكات المنطقة وتعقيداتها اذا ان عوامل السلام والاستقرار التي ينشدها ترامب في المنطقة ومخطط الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى له الولايات المتحدة بإطلاق يد اسرائيل لن يتحقق طالما بقيت الاسباب قائمة وبقي الاحتلال الاسرائيلي جاثما على الارض الفلسطينية.
واذا كان ترامب قد نجح في فترة حكمه الاولى من ابرام عددا من اتفاقيات ابراهام مع عددا من الدول العربية وكان الرهان على ان اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية ستدفع بالمشكلة الفلسطينية الى هامش الاجندة المحلية والإقليمية والدولية الا ان مخطط تهميش القضية الفلسطينية من خلال التطبيع المجاني قد فشل بل على العكس من ذلك فقد انتج محددات جديدة للصراع اتسمت باشتعال المنطقة من محيطها لخليجها وتركت تداعيات لا زالت الولايات المتحدة عاجزة عن وضع الحلول للإجابة على السؤال الاهم في معادلة الشرق الاوسط وامتداداتها الاقليمية والدولية والمتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي اذا ان الامن والاستقرار لن يتحقق الا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ورغم احاطة ترامب ادارته بعدد كبير من النخب السياسية التي من المفترض ان تقرأ المعادلة الاقليمية جيدا وتتوصل الى استنتاجات واقعية حول اسباب عدم الاستقرار وارتفاع وتيرة الحروب في المنطقة الا ان الاستراتيجية الامنية والسياسة الامريكية ترفض علنا حل الدولتين كمصوغ منطقي للخروج من حالة الانسداد والاستعصاء التي وصلت له الحالة الفلسطينية الاسرائيلية بمجملها في ضوء بروز متغيرات وفواعل وعوامل جديدة ومتجددة اقليميا ودوليا. ويبدو ان ادارة ترامب ذاهبة باتجاه ادارة الصراع بشكل مختلف هذه المرة بل تجاوزه وتخطي مرحلة الحديث عن حلول منطقية واقعية بما فيها حل الدولتين والمفاوضات الثنائية والبحث عن بدائل جديدة يقف على راسها استراتيجية الحلول الاحادية وفرض الامر الواقع من خلال تشجيع اسرائيل لضم وقضم اجزاء من الضفة الغربية مما يعني قتل امكانية نشوء دولة فلسطينية ولا كيانية فلسطينية مترامية ومتواصلة الجغرافيا والديموغرافيا خاصة بعد تدمير قطاع غزة بشكل كامل وإخراجه من حيز العيش الانساني.
لكن على الولايات المتحدة ايضا الاخذ بعين الاعتبار التحولات الجارية على الساحة الدولية والتي تمثلت بمخرجات مؤتمر نيويورك الذي نادى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية حيث اعلنت عددا من الدول الاوروبية ومن ضمنها حلفاء لاسرائيل بقراراتهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا سيترك انعكاسات واضحة على واقع الصراع بعد ان تنبهت هذه الدول بان حل الدولتين هو الطريق الوحيد لاخراج المنطقة من حالة الصراع المستدام بل تنبهت ايضا بأن امن اسرائيل سيبقى مهددا طالما لم يحصل الفلسطينيين على حقوقهم وسيادتهم في دولتهم وان تحقيق الاندماج الاقليمي التي تسعى اليه الولايات المتحدة يمر من بوابه انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.