
المنطقة والإقليم أمام مخاطر مصيرية ومفصلية ، بقلم : راسم عبيدات
واضح بان المنطقة والإقليم تمران بأوضاع وتغيرات ذات أبعاد استراتيجية،وتحمل طابع مفصلي ومصيري،والقوى المعادية، تستخدم كل فائض قواتها وقدراتها العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية والإعلامية والعقابية،من أجل فرض مخططاتها ومشاريعها الإستعمارية والإحتلالية على المنطقة والإقليم،ولذلك رأت “اسرائيل” في معركة السابع من اكتوبر/2023 ،تهديد وجودي لها،وخاضتها تحت شعار”حرب الإستقلال” الثانية،وكذلك أمريكا الشريك المباشر في هذه الحرب العدوانية،خاضتها تحت شعار ” حماية الأمن القومي الأمريكي”،والرئيس الأمريكي السابق بايدن قال ، بأن امريكا صهيونية،وأن “اسرائيل القاعدة المادية المتقدمة لحماية المصالح الأمريكية والأوروبية الغربية في المنطقة،وأنا صهيوني وأفتخر.
رغم كل حالة ” التغول ” و”التوحش” والتجرد من أي بعد اخلاقي وإنساني، شنت ” اسرائيل حربها العدوانية على قطاع غزة،وكذلك جاءت حربها على لبنان،ورغم تطبيق عقيدتي ” الضاحية” و”جباليا” في هذه الحروب العدوانية،في لبنان،كانت عمليات التدمير الممنهج ليس فقط للحاضنة الشعبية،وكل بنى التحتية والمؤسساتية، بل التدمير طال مناطق واسعة من لبنان،اما في القطاع فترافقت الحرب التدميرية ،بالقيام بعمليات حرق الحاضنة الشعبية،وكلا العقيدتين ترافقت مع القيام بأكبر عمليات اغتيال للقيادات العسكرية والأمنية والسياسية للمقاومتين،مع خصوصية لبنان،بتفجير أجهزة ” البيجر”والأيكوم”.
لم تنجح “اسرائيل” وأمريكا في تحقيق اهدافها العدوانية،في الحد الأدنى منها في قطاع غزة،نزع سلاح حماس والمقاومة وإبعاد قادتها للخارج، واستعادة الأسرى بالشروط الإسرائيلية – الأمريكية،ولا اهداف الحد الأقصى،فرض سيطرة امنية على قطاع غزة وطرد وتهجير سكان القطاع،وفق خطة ترامب – نتنياهو للطرد والتهجير للشعب الفلسطيني،ومنع قام أي كيانية فلسطينية تقود الى قيام دولة فلسطينية على جزء من فلسطين التاريخية.
كما أنها لم تنجح في الحاق هزيمة ساحقة بالمقاومة اللبنانية،وخسارتها للحرب البرية ،اجبرتها للموافقة على قرار وقف إطلاق النار 1701 ،وبالمناسبة هو قرار امريكي- فرنسي ،سعيتا من خلاله لتحقيق،ما لم يستطيعوا تحقيقه في الحرب،وحين اكتشفوا، بأن هذا القرار، لا يجرد الحزب والمقاومة من قدراتها العسكرية،سعوا الى تفريغه من محتواه .
في ظل وجود الإدارة الأمريكية الجمهورية ورئيس مأفون ،متقلب المزاج والقرارات ،يبدو بان الدولة العميقة من القوى المتصهينة في المستويات العليا للإدارة الأمريكية،واللوبيات الصهيونية،وقوى اليمين المتشدد،والتي يوجد بينها وبين اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني اليميني المتطرف تماهي حد التطابق،وما حدث من تغير استراتيجي كبير لصالح الحلف المعادي، بتحقيق إنجاز كبير،اخراج سوريا بشكل كامل من محور المقاومة،كحلقة مركزية في هذا المحور،فهي بمثابة الشريان الرئيسي لضخ وتزويد الحزب والمقاومة اللبنانية والفلسطينية بالسلاح السوري والإيراني،و”استجلاب” نظام جديد يستجيب للإطروحات السياسية الأمريكية – الإسرائيلية الجديدة،بعد أن اسقطوا الأطروحة السياسية التي كانت سائدة بعد حرب عام 1967 “الأرض مقابل السلام” ،التي تبنتها الجامعة العربية في قمتها في بيروت ،أذار/2002 ،وهي بالمناسبة هي صياغة الصحفي الأمريكي توماس فريدمان،والتي عرفت بمبادرة الأمير السعودي خالد قبل ان يتوج مالكاً للسعودية.
في ظل التطورات والمتغيرات التي حصلت بعد السابع من اكتوبر،وما حصل في سوريا، من تبني أطروحة سياسية جديدة،أمريكية – اسرائيلية، حتى لا يكون هناك في المستقبل أي “طوفان” يهدد وجود اسرائيل،أطروحة” التطبيع والسلام مقابل الأمن ،وشرعنة الإحتلال،وبما يشمل نزع سلاح الجيوش العربية والإسلامية ،استباحة السيادة ومناطق امنية لصالح اسرائيل.
بعد أن نجحت أمريكا واسرائيل في تطبيق هذه الأطروحة السياسية الجديدة على سوريا،كحلقة مهمة في تعميم المشروع الأمريكي- الإسرائيليى على كامل المنطقة والإقليم،وخلق ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد،وإدخال المنطقة والإقليم في العصر الأمريكي،جرى التحرك نحو الحلقة اللبنانية في سعي لكسرها،وتطبيق النموذج عليها،من خلال حكومة لبنانية قائمة تحت السقف الأمريكي،وقوى متامركة ومتصهينة في الداخل اللبناني،منها من يكره المقاومة ومنها من يحقد عليها،ويفتخر بصهيونيته،ولذلك وجدنا أمريكا انقلبت على القرار 1701 ،الذي صاغته وعلى الإتفاق الذي رعته،والذي نفذ فيه حزب الله كل التزاماته بموجب هذا القرار،بسحب السلاح من منطقة جنوب الليطاني،كما نص عليه القرار، على أن تقوم اسرائيل بوقف عدوانها والإنسحاب من الأراضي اللبنانية التي احتلتها وصولاً الى الخط الأزرق.
أمريكا عبر الحكومة اللبنانية العاملة تحت سقفها،طلبت منها ان تنقلب على القرار 1701 وأولوياته،وأن تعتبر أن المشكلة في سلاح المقاومة،وليس في استمرار العدوان الإسرائيلي وانتهاك السيادة اللبنانية واستمرار احتلال أرضه.
استجابة لتهديدات المندوب السامي الأمريكي على سوريا ولبنان توماس باراك، ناقشت الحكومة اللبنانية في ظل انسحاب وزراء الحزب وامل من الجلسة الوزارية ،المخصصة لإستكمال النقاش حول الورقة الأمريكية،والتي كانت بمثابة إنقلاب متعدد الوجوه على السيادة والأولويات،وخروج وقح على الميثاقية والتوافقية،وأقرت ان يتم نزع سلاح المقاومة وفق جدول زمني حتى نهاية العام،وعهدت الى الجيش القيام بذلك،محدثة أكبر انقسام وطني في لبنان،وأخذ لبنان نحو صدام داخلي،لم يحدث بعد اتفاق السابع عشر من آآيار/ 1983 ،وتحويل الصراع من صراع مع الإحتلال الى صراع داخلي لبناني- لبناني.
حكومة لبنان ومعها التيارات المتأمركة والمتصهينة في لبنان،تريد تطبيق النموذج السوري على لبنان، لا سيادة لبنانية ومناطق أمنية اسرائيلية في جنوب لبنان،ودولة منزوعة السلاح وشرعنة إحتلال في ظل ضمانات غير متوفرة ، وحديث للتضليل والخداع عن السيادة وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية،وهي تدرك بأنها جردت لبنان من أوراق قوته وحمايته والدفاع عن حدوده وثغوره.
الحزب قال بأنه لن يسلم سلاحه،وسيتعامل مع هذا القرار على أساس انه غير موجود،ولن يتعامل مع جداول زمنية تمليها عليه اسرائيل وأمريكا في قضية وطنية داخلية.
اقرار الحكومة اللبنانية للورقة الأمريكية،ترافق مع تصعيد عسكري اسرائيلي واسع في البقاع والجنوب اللبنانيين،وأمريكا وفرنسا رحبنا بالقرار اللتان ووصفتاه بالتاريخي والجريء،وكذلك اسرائيل رحبت بهذه الخطوة الجريئة؟؟؟؟.
وعلى ضفة موازية،كان “الكابينت” الإسرائيلي المصغر السياسي والأمني،يقر خطة نتنياهو من أجل الإحتلال الشامل لقطاع غزة، لتحقيق خمسة اهداف،فشلت اسرائيل طوال 22 شهراً في تحقيقها،واستخدمت فيها كل قدراتها وامكانياتها العسكرية والأمنية والإستخبارية،وما رفقها من “توحش” و”تغول” وحرب تجويع وابادة وتطهير عرقي،وتجرد من كل المعاني الأخلاقية، فخطة نتنياهو التي يقول بأنه تهدف الى نزع سلاح حماس،وإستعادة الأسرى الأحياء والأموات،نزع سلاح القطاع،فرض سيطرة امنية على قطاع غزة وإقامة حكم مدني،ليس لحماس او السلطة علاقة فيه.
نحن أمام مرحلة تاريخية فارقة،المنطقة والإقليم أمام مخاطر مصيرية ومفصلية،فالقرار الذي اتخذته حكومة لبنان منزوعة السيادة،بقرار من االمندوب السامي عليها باراك، هو قرار على درجة عالية من الخطورة،فهو ينقل المعركة مع الإحتلال حول السيادة والعدوان واستباحة الأرض واستمرار الإحتلال،الى معركة داخلية لبنانية – لبنانية،والهدف تعميم النموذج السوري على لبنان،وفق المخطط والمشروع الأمريكي- الإسرائيلي .
ونحن لسنا بصدد التفصيل فيما يتعلق بالجبهة اللبنانية،ولكن لبنان يراد له دخول العصر الإٍسرائيلي- الأمريكي،وقول البعض بأن اسرائيل غير قادرة على خوض حرب على أكثر من جبهة،تعوزه الحقائق،فرغم أن لبنان والمقاومة أكثر قوة مما كانت عليه ،في اتفاق السابع عشر من ايار/1983 ،بعشرات المرات،ولكن قوة الدفع خلف المشروع الأمريكي- الإسرائيلي وتعدد الأطراف المشاركة فيه،يجعلنا نقول بأن الحديث عن التعقل والحكمة والتردد وعدم المبادرة ،والإستهانة بالمخطط والمشروع والتعامل الأخلاقي مع عدو يتجرد من كل الأخلاق سيقود الى خسارة كبيرة وتدمير وخراب واسعين.
أما على صعيد اقرار خطة نتنياهو لإحتلال قطاع غزة بالكامل،وتنفيذ مشروع ومخطط الطرد والتهجير،فنحن أمام لحظة الحقيقة لا بد من قرار تاريخي بمستواها،فقرار الحكومة هذا،لا يُمكن قراءته كخطوة عسكرية محدودة أو مجرد تكتيك تفاوضي، بل هو قرار ذو أبعاد استراتيجية تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
أولًا، دافع أيديولوجي صهيوني متطرف يعكس جوهر المشروع الاستعماري الصهيوني القائم على الإبادة والاحلال والفصل والتطهير العنصري والضم والتهجير والاستيطان.
ثانيًا، أهداف استعمارية عنصرية تتجاوز بكثير الأهداف المعلنة للحرب، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية برمّتها وتغيير الشرق الأوسط.
ثالثًا، حاجة سياسية داخلية تتعلق ببقاء الحكومة الإسرائيلية.
انطلاقًا من ذلك، فإن قرار احتلال غزة ليس تكتيكًا تفاوضيًا، كما يحاول البعض تصويره، بدليل المواقف التي عبّر عنها الوسطاء القطريون والمصريون الذين أكدوا أن الاتفاق على الصفقة كان ينتظر اللمسات الأخيرة إلى أن استدعت واشنطن وتل أبيب وفدي التفاوض ورفضت اعادتهما، بل هو جزء من خطة طويلة الأمد تتطلب ردًا بحجم التهديد.
ومن الممكن إفشال هذا القرار وإجبار الاحتلال على وقف الحرب، في حال تحققت عدة شروط، أبرزها:
رد فعل فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي بمستوى اللحظة التاريخية، يشمل الضغط على الولايات المتحدة، وخاصة إدارة ترامب، لوقف دعمها غير المشروط للحرب الإسرائيلية.
تصاعد الخلافات الداخلية في إسرائيل واتساع الهوة بين مكوناتها السياسية والأمنية.
استمرار وتوسّع المقاومة الفلسطينية وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة على الأرض.
أو في حال استسلام حماس والفصائل الفلسطينية، وهي فرضية لا تعني بالضرورة نهاية الحرب أو توقف مخطط تصفية القضية، بل قد ستتخذ الحرب أشكالًا أخرى أخطر.
حتى في حال توقف المعارك العسكرية، قد يتحول المخطط إلى حرب “ناعمة”تقوم على:
إذكاء الفتن الداخلية والصراعات المحلية،
إحداث فوضى مرتبطة بتوزيع المساعدات،
تشجيع الجريمة، ونشر العنف والمخدرات، خلق بيئة طاردة بمواصلة العمل لجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للحياة تمهّد للتهجير والاستيطان والضم، سواء في الضفة أو القطاع أو الداخل..
إننا نواجه لحظة مصيرية فارقة، تتطلب قرارات وطنية تاريخية بمستوى التهديد الوجودي الذي نواجهه.
فلسطين – القدس المحتلة