12:50 صباحًا / 19 يوليو، 2025
آخر الاخبار

حين تعجز الحكومة عن دفع ثمن وجودها ، بقلم : محمد علوش

حين تعجز الحكومة عن دفع ثمن وجودها ، بقلم : محمد علوش

في زمن تقاس فيه الكرامة الوطنية بالقدرة على البقاء، تقف الحكومة الفلسطينية على حافة العجز، تتأرجح بين كومة من الالتزامات المتراكمة، وجدار صلب من الاحتلال والحصار المالي، تتلعثم في خطابها، لكنها تواصل الدوران في حلقة مفرغة من التبرير والتحذير والانتظار.


فها هي تعود، مرة أخرى، لتحذر من تداعيات الحرب الإسرائيلية، وكأن الحرب ولود اللحظة، لا واقعاً يومياً يتغذى من ضعفنا، ويتضخم من هشاشتنا، تعلن صراحة أن الخزينة فارغة، وأن أموال المقاصة – التي تحتجزها إسرائيل كالسيف على رقبة الدولة – قد بلغت أكثر من 9.1 مليار شيقل، وأن المؤسسات العامة على وشك الشلل، والقطاع الصحي يلفظ أنفاسه، وكل هذا ليس جديداً، وليس مفاجئاً، فالجديد هو الاعتياد، والمرارة التي بلا طعم، والبيانات التي لا تجرؤ على قول الحقيقة كاملة.


ما لم تقله الحكومة – أو قالته على استحياء – هو أنها وصلت إلى جدار مسدود، لا تملك أدوات تجاوزه، ولا الجرأة على تغييره، تواصل مخاطبة عواصم العالم بنداءات مثقلة بالإيمان العابر، تذكر واشنطن وباريس وكأنهما المخلصان الأخيران، غير مدركة أن من يوقع اتفاقاً لا يضمن تنفيذ بنوده، إنما يوقع على وهم مؤجل.


الخطير ليس في احتجاز الأموال، بل في احتجاز الإرادة، فمنذ متى كانت إسرائيل أمينة على حقوقنا المالية؟ ومنذ متى كانت أوسلو ضمانة لبقاء دولتنا؟ أليس احتجاز المقاصة سيفاً معروفاً منذ أكثر من عقد؟ فماذا أعددنا له؟ ما البدائل؟ ما الخطة (ب) أو (ج)؟ أين السياسات الاقتصادية الاستباقية؟ أين الاكتفاء، ولو الجزئي، من طوق الاستعباد المالي الذي نسميه “التنسيق المالي والإداري”؟


يبدو أن الحكومة – وقد أنهكها العجز – باتت تهيئ الرأي العام لتقليصات صارخة، بل لتوقيفات قسرية لمؤسسات رسمية، دون أن تقدم تصوراً وطنياً شاملاً لمخرج، دون أن تفتح الحوار مع القوى الوطنية والمجتمعية والنقابية، ودون أن تراجع فلسفتها الإدارية والاقتصادية التي استنزفت الداخل وأوهنت الثقة العامة.


نحن أمام لحظة اختبار، ليس فقط لاختبار القدرة على الصمود، بل لاختبار صدق القول وفعل الدولة، فالدولة التي لا تُجيد غير توجيه اللوم للخارج، دولة فقدت مناعتها الداخلية، والدولة التي لا تصارح شعبها بحقيقة ما يجري، تفقد حقها في ثقته، وإن كانت الحكومة جادة – حقاً – في استعادة الحقوق، فلتبدأ باستعادة زمام المبادرة، وببناء شراكة وطنية، وبفتح أبواب التفكير الجمعي لا الانكفاء البيروقراطي.

إن هذه الأزمة، وإن كانت قاتمة، إلا أنها فرصة نادرة لاجتراح تحوّل حقيقي في نمط الحكم، في البنية الاقتصادية، في فهم الصراع ومآلاته، فالأوطان لا تُبنى على شعارات السلام وحدها، بل على قواعد الصمود، وعلى الثقة التي لا تصدأ بين الناس ومؤسساتهم، أما الاستمرار في إدارة الأزمة بالعقلية ذاتها، فهو لا يعني سوى انتظار الانهيار بأيدٍ مرتجفة وخطابات خاوية، وللحكومة التي لا تستطيع دفع رواتب موظفيها، حذارِ من اللحظة التي لا تستطيع فيها دفع ثمن وجودها.

شاهد أيضاً

ندوة صحية توعوية حول "تكيس المبايض" للدكتور سليم رمضان في مخيم المية ومية

ندوة صحية توعوية حول “تكيس المبايض” للدكتور سليم رمضان في مخيم المية ومية

شفا – نظم العمل الاجتماعي في منطقة صيدا / شعبة المية ومية ندوة صحية توعوية …