
ٱلْغَدُ غَيْرُ ٱلْمَمْنُوحِ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني
نعم، لغدٍ لا يُستولد من رحم التبعية، ولا تُصاغ ملامحه في كواليس التوصيات العابرة، غدٍ لا ينهض على وهج المنح، ولا ينحني لبلاغة المانحين، بل يتشكّل من جوهرنا حين نستردّ أسماءنا من بين أنقاض الاستعارة.
هو غدٌ لا يُدفع إليه، بل ننهض إليه كما ينهض المعنى من الصمت، نُشيّده لا من فائض الكلام، بل من خشونة الواقع حين نواجهه دون مواربة، من وعيٍ يدرك أن الكرامة ليست فعل رفاه، بل شرط أولي للوجود.
نعم، لغدٍ لا يُكتب بأحبارٍ مستوردة،
بل يُنقش في صخر المعنى، بحروفٍ صامدة، يولد في الحقول التي لم تروِها مشاريع “التنمية”، وفي المدارس التي تتّسع لأسئلةٍ لا تُدرَّس.
غدٌ لا نطلبه، بل نُقيمه منّا، ولنا، وبنا، بما تبقّى من حنين لم يُختزل في تقارير، وبما امتلأت به أرواحُنا من يقينٍ لا يُسجَّل في الموازنات.
هو الغد الذي لا يُبنى بالتنازلات الخفية، بل بثباتٍ يمشي خفيفاً، لا يحتاج إلى شعارات، قوّةٌ لا تلوّح، بل تعمل بصمتٍ كثيف، بإرادة تعرف متى تُعلن حضورها، ومتى تكتفي بأن تَثبت.
نعم، لغدٍ نكتبه بظلالنا إن مُنعنا من الضوء، وبحروفنا الداخلية إن أُغلقت أمامنا المنابر، غدٍ نزرعه في الصدور لا في الوثائق، ونرويه بالمعنى لا بالموازنة.
نعم، لغدٍ يولد من كرامتنا لا من منّة أحد، مفعم بالأمل لا كمجرد أمل، بل كفعل نحتٍ في جدار المستحيل، منسوج بإرادتنا الحرة، التي لا تُرهن، ولا تُصادَر، لأنها ببساطة: لم تولد لتُدار… بل لتصنع المعنى