
إلى متى الإبادة في غزة؟ دعوة إلى مراجعة وطنية شجاعة ، بقلم : علاء عاشور
ما يجري في غزة اليوم تجاوز كل حدود المعقول والإنساني. آلة حرب إسرائيلية لا تعرف الشفقة تحيل القطاع إلى ركام، فيما يرتفع عداد الشهداء إلى أرقام مفجعة. لكننا، وسط هذا الدمار المروع، مطالبون بطرح السؤال الصعب والمؤلم: إلى متى تستمر هذه الإبادة؟ ومتى نمتلك شجاعة الاعتراف بأن العناد وحده ليس استراتيجية، وأن الدم الفلسطيني ليس وقودًا لصراع عبثي؟
إن التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا في غزة لا تحتاج إلى إثبات، فالدماء التي سالت، والأجساد التي مزقتها القذائف، والبيوت التي سوّيت بالأرض، كلها تشهد على صمود أسطوري قلّ نظيره في العصر الحديث. لكن الصمود، مهما كان بطولياً، لا يكفي وحده إن لم يحقق أهدافًا سياسية ملموسة، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
نحن نواجه عدواً متفوقاً عسكرياً بشكل ساحق، مدعوماً دولياً، يتمتع بغطاء غربي شبه مطلق. الاعتراف بهذه الحقيقة لا يعني الاستسلام، بل يعني التخطيط بعقلانية وتقدير المصلحة الوطنية العليا. إن التمسك بخيار المقاومة المسلحة بمعناه الحالي، وبالشكل الذي رأيناه في هذه الحرب، صار بحاجة إلى مراجعة وطنية صادقة: هل هو وسيلة ناجعة لتحقيق الحرية أم أنه بات وصفة لمزيد من القتل والتدمير بلا جدوى؟
في هذا السياق، لا مفر من القول بوضوح إن على حركة حماس أن تعيد النظر في نهجها السياسي. عليها أن تدرك أن مشروعها الوطني لا يمكن أن يكون بديلاً أو نقيضًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، بل جزءًا من جبهة وطنية واحدة تحت مرجعيتها الشرعية، بما تحمله من اعتراف دولي وخبرة دبلوماسية وقدرة تفاوضية.
إن الانضواء تحت مظلة منظمة التحرير لا يعني التخلي عن المقاومة كحق مشروع، بل يعني تنظيمها وتوحيد قرارها السياسي والعسكري ضمن استراتيجية وطنية شاملة، مدعومة بغطاء عربي وإقليمي يحفظ دماء شعبنا، ويمنع تحويل غزة إلى مسلخ بشري كل بضع سنوات.
نحن بحاجة إلى مصالحة فلسطينية حقيقية، تضع حداً للانقسام، وتؤسس لوحدة وطنية على أسس ديمقراطية، تحترم التعددية والخيارات المختلفة، وتجمع طاقات شعبنا في الداخل والشتات في معركة الحرية والبقاء.
إن منطق المكابرة ورفض الاعتراف بعدم التكافؤ في القوة، ورفض الانصهار في الجبهة الوطنية الواحدة، لا يجلب لشعبنا إلا المزيد من الدمار والدماء. أما المصلحة الوطنية العليا فتقتضي اليوم وقف هذا النزيف، وإنهاء الانقسام، والانطلاق في مسار سياسي جديد أكثر نضجًا وفعالية، يراهن على وحدتنا لا على انقسامنا، وعلى إرادة الحياة لا على منطق الانتحار.
لقد آن الأوان لمصارحة أنفسنا. آن الأوان أن نختار العقلانية بدل الانفعال، الوحدة بدل الانقسام، الحياة بدل الموت المجاني. شعبنا الفلسطيني يستحق الحرية والدولة، لكنه أيضاً يستحق أن يُنقذ من طاحونة الدم هذه.