9:32 مساءً / 6 يوليو، 2025
آخر الاخبار

الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ، بقلم : رانية مرجية

الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ، بقلم : رانية مرجية

هناك لحظة، لا يُعلن عنها الزمن، لكنها قادمة لا محالة. لحظة يصمت فيها الجسد، وتتكلم الروح. لحظة لا تُقاس بالثواني ولا تُدرك بالحواس، بل تُحَسُّ في عمق القلب، في رعشة وداع، في دمعة ترتجف على وجنة أم، أو في عناقٍ أخير بين عاشقين سرقهما الموت.

لكن، هل تكون النهاية نهاية فعلًا؟
بالنسبة للمؤمن، الموت ليس انقطاعًا، بل عبور. ليس ظلامًا، بل ولادة جديدة. هو لحظة لقاء، لا فناء. لقاء مع من خَلق ووهب وأحبّ. لقاء مع السلام، مع العدالة، مع المعنى الكامل. كيف لا، وقد قال الربّ بلسان محبته الأبدية:
“أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي” (يوحنا 14:6).

حين تنكسر أجسادنا، تبقى أرواحنا مشتعلة بالشوق، مشدودة إلى سماء لا نعرف شكلها، لكننا نعرف أنها الوطن الحقيقي. نحن لم نُخلق لنُدفن، بل لنُبعث. لم نُوهب الحياة لنفقدها، بل لننضج فيها حتى نعود إلى الله أكثر نقاءً، أكثر شبهًا به.

المؤمن لا يخشى الموت، لأن داخله وميض وعدٍ لا يخيب، وعدٍ يسكن كل من آمن واشتاق، وعدٍ قاله يسوع بوضوح وحنان:
“من آمن بي وإن مات فسيحيا” (يوحنا 11:25).
أي رجاء أعظم من هذا؟ أي عزاء أعمق من أن نعلم أن الذين أحببناهم ولم يعودوا معنا، لم يضيعوا، بل انتقلوا فقط إلى حياة لا تعرف وجعًا، ولا مرضًا، ولا بكاءً؟
“وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت” (رؤيا 21:4).

ما أعذب الرجاء حين يصير حقيقة في القلب.
حين نعيش بوعي أن هذه الأرض، رغم جمالها، ليست أكثر من ممر. وأن كل لحظة فيها ما هي إلا إعداد للقاء الأعظم، للبيت الذي نبكي شوقًا إليه دون أن نراه. لهذا قال بولس الرسول بثقة لا تزعزعها الأحزان:
“لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا” (فيلبي 1:23).

نعم، هناك بيت ينتظرنا. بيت من نور.
بيت نُعرَف فيه كما نحن، بلا أقنعة ولا ألم، بيت نُحضن فيه من جديد، نُشفى فيه من كل الجراح، ونرتاح من كل أعباء الرحلة. وهل هناك كلمات أحنّ من أن يقول لنا الرب:
“لا تضطرب قلوبكم… في بيت أبي منازل كثيرة. أنا أمضي لأعدّ لكم مكانًا” (يوحنا 14:1-2).

فلتطمئن القلوب، ولتُمسَح الدموع.
الموت ليس غيابًا بل تحوّل.
هو لحظة تفتح فيها السماء ذراعيها، وتهمس الأرواح:
“أخيرًا… عدنا إلى البيت”.

شاهد أيضاً

خمسة شهداء في استهداف طائرات الاحتلال الحربية وسط مدينة غزة

شفا – استشهد خمسة مواطنين بينهم نساء وأطفال، مساء اليوم الأحد، إثر غارات لطائرات الاحتلال …