
اليسار الفلسطيني في مفترق المصير: بين غياب المشروع ونداء التجديد ، بقلم: رانية مرجية
حين نقرأ مقالًا كـ”اليسار الفلسطيني إلى أين؟” للمهندس غسان جابر، لا نقرأ مجرد تحليل سياسي أو نقد تنظيمي، بل نفتح نافذة على جرح غائر في الروح الفلسطينية، جرح اسمه الغياب… الغياب المؤلم لصوتٍ كان يومًا ما ضمير الفقراء والمهمشين، حارس الحلم الجمعي، وصوت الكرامة في وجه استبداد الداخل واحتلال الخارج.
غسان لا يكتب من برجٍ عاجي، بل من قلب سؤال وجودي يخصنا جميعًا: كيف يمكن لحركة حملت في جوهرها نداء العدالة أن تتلاشى إلى هذا الحد؟
أين اختفى اليسار الذي كان يوماً صوت المخيم، نبض الحقل، وحلم المقاوم؟
وهل يمكن إحياء الفكرة بعد أن تحوّلت إلى أطلال تنظيرات وبيانات لا تجد طريقها إلى وجدان الناس؟
المقال يفتح صدعًا في الجدار المسكوت عنه؛ أن اليسار لم يمت، بل نام عن دوره، ترك المكان فارغًا، ليملؤه اليأس، أو تغمره موجات من الانفعالات العقائدية التي قد تفتقر للعمق الإنساني الذي شكّل، يومًا، قلب الفكر اليساري.
هو مقال عن الحنين؟ ربما.
لكنه أكثر من ذلك: هو دعوة أخلاقية، وجودية، فلسفية، لأن يستفيق الإنسان الفلسطيني من غيبوبته السياسية، ويعيد التفكير في المفاهيم الكبرى: ما معنى الحرية إن لم تكن حرية للجميع؟ ما معنى النضال إن لم يحتوِ كرامة الناس اليومية؟
وما جدوى الثورة إن لم تحمل وجهًا إنسانيًا عميقًا يعترف بالجوع، والحلم، والحب، والخوف، والكرامة؟
جمال المقال لا يكمن في صوته النقدي فقط، بل في إيمانه الخفي بأن التغيير لا يأتي من الأعلى، بل من الهامش، من الشارع، من نبض الشباب الذي يُطلب منه اليوم أن لا يرث اليسار، بل أن يعيد ولادته بروح جديدة، أن يصوغه بلغته، أن يُلبسه وجعه، أن يُطعمه أملًا، ويعيد له نَفَسه الأخلاقي الجريء.
غسان جابر لا يدعو إلى استعادة حزب، بل إلى استعادة معنى، إلى عودة الأخلاق إلى السياسة، وعودة الحلم إلى الفعل. وفي هذا الزمن الذي تراجعت فيه القيم أمام الشعارات، يصبح كلامه شبيهًا بجرس نداء، أو صرخة في برية الأيديولوجيات المتحجرة.
اليسار، كما يراه جابر، ليس تاريخًا منتهياً، بل مشروعًا معلقًا على أسئلة الشباب.
والشباب، كما يُناديهم، ليسوا أتباعًا، بل صُنّاع أفقٍ جديد.
وهنا تكمن الفلسفة العميقة في الطرح: أن ما نبحث عنه ليس مجرد إعادة توزيع للسلطة، بل إعادة تأسيس للمعنى، لحقيقة النضال، لوجه الإنسان الفلسطيني كما يجب أن يكون: حُرًا، كريمًا، ناقدًا، وعاشقًا للعدالة دون أقنعة.
تحية لهذا المقال الذي لا يكتفي بطرح الأسئلة، بل يضع القلب الفلسطيني أمام مرآته العارية، ويدعونا، بصدقٍ مؤلم، أن نختار:
إما أن نواصل النوم في ظل الغياب، أو أن نصحو ونكتب اليسار من جديد… بقلم الروح، لا المطبعة.
إقرأ أيضا :