12:10 صباحًا / 27 يونيو، 2025
آخر الاخبار

رسول العناق ، مارينا أراكيليان أرابيان ، تنسج المعانقة الشعرية بين الضياع والحب ، بقلم: رانية مرجية

رسول العناق ، مارينا أراكيليان أرابيان ، تنسج المعانقة الشعرية بين الضياع والحب ، بقلم: رانية مرجية

“رسول العناق”: مارينا أراكيليان أرابيان تنسج المعانقة الشعرية بين الضياع والحب ، بقلم: رانية مرجية


في قصيدتها “رسول العناق”، تُطلق الشاعرة مارينا أراكيليان أرابيان صيحة وجدانية كثيفة، تتناوب فيها شهوة اللقاء، مع رماد الشوق، وتتماهى فيها اللغة مع الجسد، والعاطفة مع الوطن. لا تكتب مارينا من منبرٍ بعيد، بل من عمق الجرح، ومن عتبة القلب، حيث القصيدة لا تُقال، بل تُرتّل كصلاة لا يُراد لها أن تنتهي.


منذ البيت الأول، تفتح مارينا نصّها على استعارة زراعية عابقة بالمجاز:
“هو الحب أرض يزرع الوعد قمحها
ليحصده ورد اللقاء فصولا”
هنا، لا يكون الحب علاقة فردية، بل مشروع حياة تُزرع فيه الوعود كما يُزرع القمح، وتحصد فيه المواسم بوجوه مختلفة، فصلًا بعد فصل. إنّه الحب بوصفه دورة كونية، لا مجرد لحظة شعورية.
لكن القصيدة لا تستقر في الحقول وحدها، بل تُحدّثنا عن الضياع – ذلك الشقيق الروحي للعشاق، تقول:
“ضياعي هدى أوحى ضلال قصيدتي
فلا تبعثن قبل العناق رسولا”
القصيدة نفسها تضيع حين لا يُسبقها العناق، كأن العناق هو المعنى، هو التأويل النهائي للنص والروح معًا. ما أجمل هذا الانقلاب: القصيدة ليست بداية العلاقة، بل نتيجتها، ولا جدوى من رسول يسبق اللمسة الحسية والوجدانية.
ومثل نحلةٍ تعرف طريقها في خلايا الحنين، تقول الشاعرة:
“يعربد نحلي في خلايا صبابتي
يطرز شهدا من هواك عسولا”
هنا، الجسد يستجيب للحب بنشوةٍ خفية. لا صخب، بل شهقة نحل، وشهد مغمّس بهواء العاشق. الحب هنا عملية كيميائية لا تُرى، لكنها تُحس، تُترجمها اللغة عبر طرزٍ دقيق من المفردات.
ثم تهزّ مارينا شجرة القلب، ف”يهتز غصنه”، ويسقط النسرين، ويُثمر “سولا”، في استعارات تنقل القارئ من الطبيعة الحسية إلى الرمز الديني والسياسي، إلى الجمال المستتر في البسيط والعابر. لكنّها لا تكتفي بذلك، بل تزرع نجمة في حضرة الأحباب، وتُسقطها كي تضيء فناء الروح.
وتبلغ القصيدة ذروتها حين تقول:
“هواك شفاء الروح من كل علة
فكيف ينام المستهام عليلا”
تعود مارينا هنا إلى لغة القديسين والعاشقين الصوفيين، فالحب دواء، ولكنّه أيضًا داء. إنّه يصحو ولا ينام، يتلذذ بعلّته لأنها تكشفه على وجوده، على توحّده، بل على نهايته.
ويشتدّ هذا التوتر حين يتحوّل الشوق إلى ذئب، والحنين إلى سيف:
“ومازال ذئب الشوق ينهش راحتى
بسيف حنين يشرئب طويلا”
الصورة قاسية، ولكنها شديدة النقاء في عمقها، لأن الذئب ليس غريبًا عن النفس، بل مقيم فيها، ينهشها بلذة ووجع. وتستمر الشاعرة في حوارها مع الغائب، مع الحبيب، مع الوطن، وربما مع الشعر نفسه، حين تقول في تناصّ شفيف:
“نحيبي صلاة من ترانيم لهفة
بكت في قلوب التائهين طلولا”
مارينا هنا تُنهي القصيدة ببكاء داخلي، نحيب مضمَّخ بالروح، لا يُسمع بل يُحَسّ. إنه نحيب من تأخروا عن الوصول، ومن أنهكهم الشوق، ومن بقوا في المرافئ يلوّحون لسفن لا تعود.

قصيدة “رسول العناق” ليست مجرّد نص غزلي، بل سردية شعرية لعاشقة تُعيد تعريف الحواس، وتؤنسن الغياب، وتعيد للمفردة الشعرية هيبتها وسط هذا الضجيج المعاصر.


مارينا أراكيليان أرابيان، بشفافية المجاز وقسوة العشق، تسكننا قصيدتها، لا كقراء، بل كشهود على لقاء مؤجل، ننتظر فيه “رسول العناق” كي نُبعث من جديد

شاهد أيضاً

الاحتلال يخطر بالاستيلاء على ألفي دونم من أراضي يعبد جنوب غرب جنين

الاحتلال يخطر بالاستيلاء على ألفي دونم من أراضي يعبد جنوب غرب جنين

شفا – أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، بالاستيلاء على أراضي في بلدة يعبد جنوب …