10:18 مساءً / 25 يونيو، 2025
آخر الاخبار

سوريّتي ، حين يُولد الوطن من رماد القصيدة ، بقلم : رانية مرجية

سوريّتي ، حين يُولد الوطن من رماد القصيدة ، بقلم : رانية مرجية

سوريّتي ، حين يُولد الوطن من رماد القصيدة ، بقلم: رانية مرجية

خاص – شفا
قراءة نقدية في قصيدة “سوريّتي” للشاعرة بسمة الصباح

رانية مرجية

في خضمّ الكتابات المتدفقة حول الجرح السوري، تقف قصيدة “سوريّتي” للشاعرة بسمة الصباح كعلامة فارقة، ليست لأنها تصف الواقع، بل لأنها تؤنسنه، وتحيله من مجرد مأساة إلى كيان حيّ ينبض في الكلمات، ويتنفس من رئة الحنين، ويصحو كل صباحٍ على وعدٍ مؤجل بالعودة.

نحن أمام نصّ ليس مُنظِّرًا سياسيًّا، ولا مؤرّخًا للحرب، بل هو ضمير شعريّ يشهد، يبكي، ويصرخ، دون أن يفقد حساسيته الفنية أو انحيازه للبساطة الإنسانية المفعمة بالرمز. إنها قصيدة تُكتب بالدمع لا بالحبر، وتُتلى من قلبٍ لا يزال يُصدّق أن الوطن يمكن أن يُبعث من رماد الخراب.

بين بنية القصيدة وجماليات التشظّي

تنتمي “سوريّتي” إلى نوع من قصيدة النثر الحدسية، حيث التراكيب المتفلتة من الوزن، واللغة المشبعة بالصور الرمزية، والدفقات الشعورية المتوالية. ورغم خلوّ النص من البنية الإيقاعية التقليدية، إلا أن موسيقاه تنبع من توتر الصور، ومن حرارة اللغة، ومن اختناق المعنى داخل العبارة.

منذ الاستهلال الأول:

“في بلادي… لا تشرق الشمس إلا على خوفٍ متجذّر…”

نُقذف مباشرة إلى قلب الألم، دون مقدمات أو تجميل. الشمس، رمز النهوض والحياة، لم تعد تشرق على الأمل، بل على خوف قديم، متجذّر، متأصّل، كأنّ الكارثة لم تأتِ فقط من الخارج، بل نمت في الأرض مثل الأشواك.

وبينما يظنّ القارئ أنّ النص سيكتفي بالمجاز، يفاجئه بوقائع مشهدية محزنة، تُضفي على المجاز مصداقية الواقع:

“يُلفّ المهد بالكفن بدلَ الثياب المزركشة…”

هي ليست جملة شعرية فحسب، بل صرخة تختصر الواقع السوري منذ سنوات: الموت، لا الحياة، هو البداية.

الفضاء الزماني والمكاني للقصيدة: وطن بلا ملامح… لكنه ليس بلا قلب

في “سوريّتي”، المكان ليس قرية أو مدينة، وليس اسمًا جغرافيًا. سوريا هنا هي الضياع المشترك، هي الزقاق، والبيت المهدوم، والكنيسة المتعبة، وهي في آنٍ معًا: الدمية، والصورة، والنشيد.

الزمان في القصيدة أيضًا معلّق. لا نجد إشارات واضحة إلى تواريخ، بل إلى لحظات مُجمّدة في الألم، كأنّ كلّ شيء توقف بعد أول شهقة دمعة، ولم يعد يتحرّك سوى عبر التذكّر والحداد.

“تُخاطِب القصائد الشهداء أكثر مما تُخاطب العاشقين…”

هنا يتحوّل الشعر من مساحة حبّ إلى منبر رثاء. يصبح الشعراء شهود قبور، لا شهود قبلات، ويُستبدَل الغزل بالترحّم.

شهادات مؤلمة مغمّسة بالإنسانية:

تُحسن الشاعرة في مواضع متعددة من النص توظيف المشهد اليومي كأداة تفجير وجداني:

“هل رأيت طفلاً يحضنُ دميته كأنها أمّه؟”


“هل رأيت عيونَ شيخٍ تُصلّي بلا يقين، وبلا غد؟”

في هذه المشاهد، يتجلى التفكك العاطفي الذي يعيشه السوري: الطفولة مقطوعة من الحنان، والشيخوخة محرومة من الرجاء. إنّها سوريا التي تفقد وظائفها العاطفية والنفسية، لتتحوّل إلى فراغ وجودي كبير.

من الانكسار إلى البذرة: الأمل كشكل من أشكال المقاومة

رغم قتامة الصورة، لا تسقط القصيدة في فخّ “الندب المكرور” أو الرثاء المجاني. بل على العكس، توفّر في نهايتها مخرجًا خافتًا لكنه راسخ:

“ما زال في الرمادِ جذوةٌ تُقاوم الانطفاء…”

“وسنكتب الحياة من شقوق الجدران…”

هذه العبارات تشبه رسائل “من تحت الركام”، تكتبها الأمّهات، ويرسمها الأطفال، وينقلها العشّاق المنفيّون على جدران الذاكرة.

الأمل هنا ليس وهماً، بل هو أمل عنيد، واقعي، متمسك بأهداب الحياة، رغم إدراكه العميق بفداحة الخراب. إنه أمل من يعرف أن الحبيبة “قد لا تمرّ”، لكنه لا يزال يهيّئ لها طريقًا مفروشًا بالانتظار.

شهادة في الشاعرة : بسمة الصباح

تُثبت الشاعرة بسمة الصباح في هذا النص أنّها ليست مجرّد ناقلة لألم شعبها، بل حارسة لذاكرته. تكتب من موقع الوجدان الجمعي، لكنها لا تفقد خصوصيتها الإبداعية. وهي تملك براعة في ترجمة الجراح الكبرى إلى صور شعرية خالدة، وتُتقن التقاط النبض الحيّ وسط الركام.

تكتب كأنّها تصلّي، تبكي كأنّها تُحب، وتؤرّخ كأنّها تغنّي… وبهذا، تحوّل القصيدة إلى ضريح ناطقٍ، وراية ترتجف لكنها لا تسقط.

خاتمة: الشعر كسلطة معنوية في وجه الفقد

في قصيدة “سوريتي”، لا نقرأ عن سوريا بصفتها أرضًا منهكة بالحرب فحسب، بل عن سوريا بصفتها ذاكرة مشتركة وشعورًا غامرًا، يتجاوز السلاح والسياسة والخطابات الكبرى.

نحن أمام نصّ يفتح جرحًا، لكنه لا يتركه ينزف بلا معنى. بل يعيد تضميده بالكلمات، ويزرع فيه بذرة اسمها: “الوطن سيُولد من جديد”

شاهد أيضاً

مستوطنون يهاجمون عرب الكعابنة شرق رام الله

مستوطنون يهاجمون عرب الكعابنة شرق رام الله

شفا – هاجم مستوطنون، مساء اليوم الأربعاء، عائلة أبو فزاع الكعابنة، شرق مدينة رام الله. …