12:59 صباحًا / 26 مايو، 2025
آخر الاخبار

على خُطى الأثر لا الألقاب ، قراءة انطباعية في كتاب إنما الإنسان أثر 2 للدكتورة تهاني رفعت بشارات ، بقلم : الأستاذ رائد وجيه عساف

على خُطى الأثر لا الألقاب ، قراءة انطباعية في كتاب إنما الإنسان أثر 2 للدكتورة تهاني رفعت بشارات ، بقلم : الأستاذ رائد وجيه عساف

على خُطى الأثر لا الألقاب: قراءة انطباعية في كتاب “إنما الإنسان أثر 2” للدكتورة تهاني رفعت بشارات ، بقلم : الأستاذ رائد وجيه عساف

في عالمٍ يتسارع فيه الناس نحو المجد الصاخب والضوء الساطع، جاءت الدكتورة تهاني رفعت بشارات لتأخذنا إلى زاوية أخرى، أكثر دفئاً وأعمق مغزى؛ زاوية الأثر، لا اللقب، والسيرة الحيّة، لا السيرة الذاتية. كتابها “إنما الإنسان أثر 2” ليس مجرّد صفحاتٍ تُقلب، بل هو سفر من النبل الإنساني، ومشعلٌ من مشاعل الوفاء في زمن الغفلة. كتابٌ كُتب لا بالحبر، بل بالحنين؛ لا بالمداد، بل بنبض القلب.

الإهداء: وشاح محبة يُلفّ على كتف الإنسانية


ما إن يفتح القارئ الصفحة الأولى، حتى يجد نفسه أمام إهداءٍ أشبه بمخطوطة وجدانية تقطر دفئاً وتفيض صدقاً. لم تذكر الكاتبة أسماءً بعينها، بل أهْدت الكتاب لكل من عبر دربها وترك أثراً، صغيراً كان أم عظيمًا، عابرًا أم دائماً. تقول في إحدى سطوره: “نحن لا نرتب أماكن الأشخاص في قلوبنا.. أثرهم من يفعل ذلك”. هنا لا تتحدث الدكتورة تهاني كباحثة أو مؤلفة، بل كإنسانة عرفت أن الأرواح تُخلَّد بما تترك، لا بما تأخذ، وبما تمنح، لا بما تُمنَح.

المقدمة: فلسفة النُبل في أبسط تجلّياته


تظهر الكاتبة في المقدمة بمظهر الصادق مع نفسه أولاً، ومع الحياة ثانياً. تعترف أنّ الكلمات كثيراً ما تخذلنا في وصف الأثر الذي يتركه أشخاص فينا، لأنّ أثرهم لا يُقاس بالكلمات، بل بالارتجاف الذي يُخلّفه حضورهم أو الغياب. لقد انطلقت من ذاتها، من تفاعلاتها الشخصية والوجدانية مع أولئك الذين مرّوا في حياتها كبُرعم ربيع في شتاءٍ طويل، فكانوا بمثابة النور في لحظات الحلكة.

اللغة والأسلوب: قصيدة نثرية تنبض بالحياة


يُحاكي أسلوب الكتاب نغمة قلبٍ يعزف على أوتار الامتنان. اللغة هنا لا تُقيّدها قوالب الأدب التقليدي، بل تتشكّل كجدولٍ رقراقٍ يمرّ بين الحروف، ناثراً ظلال المعاني. تمزج الكاتبة بين البيان الشعري والسرد التأملي، بين الحنين الشخصي والموقف العام، حتى تحوّلت كل شخصية إلى نبراس، وكل نصّ إلى منارة.

شخصيات خالدة بأثرها لا بلقبها…

الدكتور خالد دويكات: صانع الحروف والقلوب


في حديثها عن الدكتور خالد، تكتبه كما يُكتب الأوفياء، لا كمجرد بروفيسور جامعي. رجل لا تعرّفه شهاداته، بل صمته المهذب، واحتواؤه الذكي، وابتسامته التي تشبه دعاءً سرّياً. هو من أولئك الذين يعبّرون بالحضور أكثر من الكلام، ويتركون في القلوب مساحاتٍ خضراء لا يطالها جفاف الأيام.

الدكتور عماد سلامة: الصوت الذي لا يعلو، بل يسمو


لم يكن عماد سلامة مجرد اسم يُكتب على غلاف، أو شهادة تُعلّق على حائط، بل كان صوتاً هادئاً يحمل في داخله صرخة وطنٍ وثقافة، ويداً تُربّت على أكتاف التعب، دون أن تطلب مقابلاً. تكتب عنه الكاتبة كما يُكتب الضوء في آخر النفق؛ فهو ليس عابراً، بل واقفٌ في وجه التيار، صامدٌ رغم الرياح، رجلٌ يجمع بين الحكمة والصمت، بين الثقافة والفعل، بين الهيبة والبساطة. كان نموذجاً للرجل الذي إن تكلم صمت الحضور، وإن صمت نطقت هيبته. إنه أحد أولئك الرجال الذين يُصنع بهم الفجر، لا فقط يُستقبل.

الدكتورة الصيدلانية آية فحماوي: عطر العلم وبهاء الروح


اسمٌ كُتب كآية، وسلوكٌ سُطّر كرسالة. تجلّت في كتاب “إنما الإنسان أثر 2” كنموذج نادر يجمع بين عمق الفكر ورقّة المشاعر، بين التفوّق الأكاديمي والاحتواء الإنساني. لم تكن الدكتورة آية مجرد باحثة، بل كانت قصيدة من حضور، تمشي على الأرض بثبات الأمل. حضورها في حياة الكاتبة كان كحضور المطر في أرضٍ عطشى؛ بارك الأيام، وأينع اللحظات، وجعل لكل لقاءٍ معها طعماً خاصاً من الفرح والدعم الروحي.

الأستاذة نادية أبو عبيد: سيدة الأثر والعطاء


نادية أبو عبيد ليست فقط موظفة في الجامعة ، بل هي ذلك الكتف المعنوي الذي يسند الجميع، وتلك النظرة التي تقول لطالب العلم: “أنا معك مهما تعثّرت”. كتبت عنها الكاتبة بنبضٍ متدفّق، واصفة إياها بأنها قلبٌ يمشي على الأرض، ينبض بالحنان والانتماء. كانت في أيام التدريس شمساً لا تغيب، تسطع دون أن تحرق، وتدفئ دون أن تطلب مقابلاً. هي من النوع الذي يظل محفوراً في الذاكرة، لا بسبب ما قال، بل بسبب كيف جعلنا نشعر.

الأستاذة رجاء زكارنة: ضوء الإعلام… وصوت الأمومة الحانية


رجاء زكارنة لا تُقرأ، بل تُعاش. هي ليست إعلاميةً تقف على منصة، بل حُضنٌ فكري وأخلاقي يلتفّ حول كل شخص، تمنحه من لغتها محبة، ومن علمها حياة. تكتبها الكاتبة كما تُكتب شجرة زيتون في سفح جبل فلسطيني؛ ثابتة، متجذّرة، لا تهتزّ في العواصف. كانت المعلمة التي لم تفصل بين دفء القلب وقوة القلم، وقدّمت في فصولها أكثر من دروسٍ نحوية؛ قدّمت دروساً في الإنسانية، والثقة، والعدالة، والعطاء الصامت.

الدكتورة فاطمة دويكات: ظلّ المعرفة وروح الوفاء


لم تكن الدكتورة فاطمة دويكات شخصيةً تُروى في جملة، بل مشروعاً من النور تمشى على قدمين. في وصف الدكتورة تهاني لها، لم تكن مجرد أكاديمية تكدّس الشهادات، بل كانت أمّاً في العلم، أختاً في الموقف، وصديقةً في الزمن الجميل، تسقي من حولها بماء الثقة، وتظلّلهم بجناح الأمان.


إن فاطمة دويكات، كما يصفها الكتاب، هي خلاصة لما يجب أن يكون عليه كلُّ مربٍّ وأكاديمي وإنسان. في زمنٍ يتسابق فيه الناس نحو الألقاب، كانت هي تُغني من حولها بالدفء، وتعلّمهم أن “الإنسان لا يُقاس بما يعرف، بل بما يمنح.”

الخاتمة: سِفرٌ لا ينتهي، ووعدٌ بالاستمرار


تأتي الخاتمة كوصية وجدانية، لا كمجرد إغلاق لكتاب. تعلن فيها المؤلفة أن الكتاب لا يطوي صفحاتٍ فحسب، بل يفتح أبواباً لأثر لا يخبو. فالاحتفاء بالناس وهم أحياء هو طوق نجاة للروح من الغفلة، وهو إعلان حبٍّ لا يحتاج إلى مناسبة أو إذن. تختم الكاتبة بالقول: “سيبقى الإنسان هو الرسالة… وسيبقى الأثر هو البرهان”.
كلمة أخيرة…


“إنما الإنسان أثر 2” ليس عنواناً عابراً ، بل هو مشروع وجوديّ عميق، أعاد ترتيب وجدان القارئ، وصاغ له الحياة من جديد، على هيئة مَن مرّوا، وتركوا، وأحبّوا، ثم رحلوا، أو ما زالوا يزرعون النور بصمت. هذا الكتاب يُقرأ حين يخفت الضوء، ويُستعاد حين نحتاج أن نتذكّر أن الإنسان ليس جسداً يمضي، بل أثرٌ يبقى.

كل الامتنان للدكتورة تهاني رفعت بشارات، التي لا تكتب لتُبهر، بل لتُبقي فينا يقظةً إنسانيةً ضد الغفلة، ومنارةً من قلبٍ يحب.

شاهد أيضاً

جبهة التحرير العربية تنعى القائد الوطني وليد عساف

شفا – نعت جبهة التحرير العربية القائد الوطني الكبير وليد عساف ، وقالت “الجبهة” في …