4:43 مساءً / 6 مايو، 2025
آخر الاخبار

عثمان أبو غربية ، شاعر البندقية وعاشق القدس الذي خاض معارك النضال والفكر ، بقلم : المهندس غسان جابر

عثمان أبو غربية ، شاعر البندقية وعاشق القدس الذي خاض معارك النضال والفكر ، بقلم : المهندس غسان جابر

عثمان أبو غربية ، شاعر البندقية وعاشق القدس الذي خاض معارك النضال والفكر ، بقلم : المهندس غسان جابر

في ذاكرة النضال الفلسطيني، تبرز أسماء تركت بصمات لا تُمحى، ومن بينها القائد والمناضل عثمان أبو غربية (1946–2016)، الذي جمع بين البندقية والكلمة، وبين الفكر والتنظيم، فكان قائدًا عسكريًا ومثقفًا وطنيًا، وشاعرًا لم يفارق الحلم الفلسطيني وجدانه.

وُلد أبو غربية في القدس، في حارة الشرف، أحد أحياء البلدة القديمة، التي شكّلت لديه الوعي الأول بحب المدينة وقدسيتها. لكنه اضطر في أوائل الخمسينيات إلى مغادرتها مع عائلته إلى الخليل، حيث أكمل دراسته الثانوية وبدأ نشاطه الوطني مبكرًا، حتى اعتُقل عام 1963. لم تطفئ الزنازين عزيمته، فالتحق بكلية الحقوق في دمشق، لكنه تركها بعد نكسة 1967 لينضم إلى صفوف قوات العاصفة، ويبدأ رحلته في العمل العسكري.

تخرج من الكلية العسكرية في الصين عام 1969 برتبة ملازم أول، وسرعان ما أصبح من أوائل من قادوا المعارك في لبنان والأردن، أبرزها معارك كفر قوق وعيحا التي أسفرت عن توقيع اتفاق القاهرة، مثبتةً الوجود الفلسطيني في لبنان. أسس مدرسة الكوادر العسكرية في قوات العاصفة، وتولى مناصب حساسة كونه نائب المفوض السياسي العام، وقاد مناطق عسكرية في الضنية وطرابلس وجنوب صور، وشارك في حرب تشرين ومعارك اجتياح 1982.

لم يكن عثمان أبو غربية مجرد مقاتل، بل كان منظّرًا وفيلسوفًا في التنظيم، حيث ساهم في صياغة الأدبيات والنظرية التنظيمية لحركة فتح، وأدار أقاليمها في آسيا وأوروبا، وترأس مؤتمرات تنظيمية حساسة، منها مؤتمرا الكويت واليمن، وقاد الساحة السورية بعد الخروج من بيروت.

وكانت القدس في صميم قلبه وروحه، لا تغيب عن كلماته ولا قصائده، فكان يعتبرها “موطن الروح وروح الوطن”، وقد قال عنها: “القدس هي التي أرسلت الضياء الروحي للبشرية، وهي سر التجلي الإلهي، ولن نقبل بكرامة ناقصة ما دامت القدس محتلة”. وكرئيس للجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، مثّل الرئيس محمود عباس في العديد من الفعاليات الثقافية، وكرّس جهده لدعم المؤسسات المقدسية وتعزيز صمود سكانها.

عُرف عثمان أبو غربية بين رفاقه بأنه وطني حتى النخاع، لم ينحَ يوماً نحو الصراعات الداخلية، وكان يرى في الانقسام الفلسطيني جرحًا نازفًا، عمل على تجاوزه بالحوار والوحدة. كما كان قريبًا من الرئيس ياسر عرفات، الذي احترم فيه عمق الفكر والالتزام، وظل حتى لحظاته الأخيرة مؤمنًا بأن في حركة فتح بذور النهوض رغم الترهل والانقسام.

لم تكن حياته سهلة؛ فقد تعرض للأسر والاعتقال، ونجا من محاولات اغتيال، وواجه صراعات تنظيمية داخلية وخارجية، لكنه ظل وفيًا لفلسطين، مدافعًا عن قضاياها في كل منبر.

توفي عثمان أبو غربية في 18 نيسان 2016 خلال رحلة علاجية في الهند، وودّعته فلسطين بحزن، ومنحته وسام القدس تقديرًا لنضاله. أما آخر كلماته لزوجته التونسية هالة الشريف فكانت تفيض دفئًا وحبًا للوطن والناس والقدس، التي ظل يحلم بالعودة إليها حتى آخر رمق.


نقول عثمان أبو غربية لم يكن مجرد قائد عسكري أو عضو لجنة مركزية في فتح، بل كان حامل راية القدس والهوية، وصوت اللاجئين والمهمّشين، وشاعر الوجدان الفلسطيني. ترك لنا سيرة نضال لا تموت، ومذكرات ستنير درب الأجيال القادمة، لعلها تواصل السير على خطى هذا العاشق المقدسي الأصيل التي انجبته الخليل .

م. غسان جابر (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)

شاهد أيضاً

مستوطنون يضرمون النيران في أراضٍ زراعية شمال شرق رام الله

مستوطنون يضرمون النيران في أراضٍ زراعية شمال شرق رام الله

شفا – أضرم مستوطنون، اليوم الثلاثاء، النار في أراضٍ زراعية، شمال شرق مدينة رام الله. …