12:29 صباحًا / 2 مايو، 2025
آخر الاخبار

حكاية من غزّة ، بقلم : هيا فريج

حكاية من غزّة ، بقلم : هيا فريج


يرنّ في رأسي الصوت الملائكي (فيروز) بموسيقاها العذبة: “عندي بيتٌ وأرضٌ صغيرة فأنا الآن يسكنُني الأمان لا أبيعُ أرضي بذهَب الأرضِ ترابُ بلادي ترابُ الجِنان”…

لوالدي قطعةُ أرضٍ صغيرةٌ على بحر “بيت لاهيا” شمال غزة، يمشي إليها رغم بعد المسافة، وتوفّر وسيلة المواصلات، يقضي أيام الإجازة فيها، يزرع ويسقي، حتى ملأها شجرًا، بعد طول عنايةٍ ورعاية، وكثير صبرٍ واستشارةٍ، ولا يغادرها حتى يحينَ المغرب، فيعودَ متعبًا منها؛ ليستكملَ عمله، فيجهّزَ تحضيره للدروس. يعرفُ أرضَه بشكلٍ رهيب، يقتصّ آثارَ المارّين إليها، فيعلمُ بدخول الغريب والقريب بإذنِه أو دونه، ومهما كنّا نأخذ احتياطاتنا إلا أن الأمرَ كان يُكْشَف.. يحصي ثمارَ كلّ شجرةٍ، ويسعدُ ببقاءِ الحبات تتلألأ على الشجر، يكره أن يقطفَ محصولَه أحدٌ سواه، ويصدرُ تحقيقًا غاضبًا إنْ وجدها ناقصة. رفضَ بيعَها بربحٍ مضاعفٍ، أو مبادلتَها بقطعِ أرضٍ أكبر، وامتنعَ عن إقامةِ مشروع فيها، إذ يكرهُ التجارة، ولا يريدُ أن نغتنيَ بشيءٍ غير الدراسةِ والتدريس، واكتفى بشكرِ اللهِ على عظيم نِعَمه عليه، مع الدعاء بأن تبقى ذخيرةً للأبناء بعد أن يأخذَ الله أمانتَه. جُرّفَت الأرض، وانهارت البناية الصغيرة فيها، فقد تمركزت الآلياتُ العسكريةُ في تلك المنطقة طيلةَ العدوان. وبعد الانسحاب الجزئيّ من الشمال، عاد إخوتي ليتعَهّدوا أمانةَ والدهم النازح قسرًا إلى الجنوب، يحاولون رفع الركام، وإصلاحَ ما تبقى، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشجر، إلا أن الأرض أصبحت حفرةً واسعةً فقد قُصِفَت بالطائرات الحربية مرةً أخرى الأسبوع الماضي، وبذلك اقتُلِعَت كلُّ أشجار الزيتون، والنخل، والبرتقال، والليمون، والرمان، وكل شتلات المرمية والنعناع والبقدونس والزعتر. لا نبكي فردوْسَنا المفقود، لكن يعزُّ علينا خرابُ البلاد، وضياعُ كل الأحلام، ولا يهونُ علينا كلّ هذه الخسارات، لكنّ عزاءنا الوحيد أن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم، وأن جزاء صبرنا عظيم بأنّ لنا الجنة…وهذه روايتي للتاريخ؛ كي لا يأتيني ساذجٌ بعد سنين؛ ليقول: ” إنكم قد تركتم أرضكم” أو “بعتم بلادكم”، وكي لا يعطيني غبيٌّ نصائحه في أهمية الزراعة، وأثرها في إبعاد المجاعة. وهذه إحدى حكاياتنا التي أقولها نيابةً عن جموع الجياع المتعفّفين في شمال غزةَ، الذين يعدّون الكتابة ترفًا في وقتٍ لا يجدون فيه ما يفطرونه. وهذه قصتنا الإنسانية التي لا تبثّها الفضائيات التي تردد كلامًا مكرّرًا فارغًا، وتحليلاتٍ مضلِّلة، مترفعةً عن ذكر معاناة الإنسان الحقيقية…

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم الخضر جنوب بيت لحم

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، بلدة الخضر جنوب بيت لحم. وأفاد مراسلنا، بأن …