2:24 صباحًا / 1 مايو، 2025
آخر الاخبار

الأستاذ الفاضل فريد زكارنة ، رجلٌ لا يموت أثره ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ الفاضل فريد زكارنة ، رجلٌ لا يموت أثره ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ الفاضل فريد زكارنة ، رجلٌ لا يموت أثره ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في الحياة، هناك أشخاصٌ لا يُشبهون الآخرين، أشخاصٌ يُضيئون الدروب حيثما مرّوا، يزرعون الخير في كل قلب، ويتركون وراءهم أثرًا لا يمحوه الزمن، كأنهم نُجومٌ لا تأفل، أو عبيرٌ لا يذبل. هؤلاء هم الإنسان بمعناه الأعمق، الروح التي تمنح الحياة بُعدًا أجمل، والأخلاق التي تسمو فوق كل اعتبار.

ومن بين هؤلاء الذين نقشوا أسماءهم في ذاكرتي، وتركوا في حياتي بصمةً لا تُمحى، كان الأستاذ الفاضل فريد زكارنة، الرجل الذي جسّد الإنسانية بكل معانيها، والأدب بكل أبعاده، والاحترام بأجمل صوره.

اللقاء الأول… كلماتٌ تنبض بالأمل

حين عرفته، كنتُ على أعتاب التخرج من جامعة القدس المفتوحة، الجامعة التي أفتخر وأعتزّ بها، كنتُ أخطو نحو المستقبل بحلمٍ كبير، لكن بخطواتٍ يملؤها الترقب. وفي ذلك اليوم الذي ذهبتُ فيه لاستلام شهادتي، التقيتُ به، ورغم بساطة الحوار الذي دار بيننا، إلا أن كلماته بقيت راسخةً في ذهني، كضوءٍ لا يخفت، وكإشارة طريقٍ تدلّني على المسار الصحيح.

قال لي يومها:


“مبارك ما شاء الله، والآن تستطيعين إكمال الماجستير، بالتوفيق والتميّز الدائم.”

كان ذلك حديثًا عابرًا في ظاهره، لكنه حمل في طيّاته رسالة دعمٍ خالصة، ونظرةً ترى في الإنسان أكثر مما يرى في نفسه. وسبحان الله، بعد مرور سنتين، أكملتُ دراسة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية، ومرت السنوات، ومضيتُ في طريقي حتى نلتُ درجة الدكتوراه، وفي كل مرة كنتُ أستلم فيها شهادةً جديدة، كنتُ أسترجع كلماته، كأنها كانت نبؤةً من رجلٍ يرى المستقبل بعين التفاؤل، ويزرع الأمل حيثما حلّ.

موقفٌ لا يُنسى… إنسانيةٌ بلا حدود

الإنسان يُعرف في المواقف، وأستاذي الفاضل فريد زكارنة كان رجلًا من معدنٍ نادر، لم يكن يترك موقفًا يمرّ دون أن يكون له أثرٌ جميل، لم يكن يقف متفرجًا على من يحتاج المساعدة، بل كان يبادر بلا تردد، كأن ذلك جزءٌ لا يتجزأ من تكوينه، وكأن العطاء كان يسري في دمه كما يسري النبض في القلب.

أتذكر موقفًا شهدته أمامي، موقفًا بسيطًا في ظاهره، لكنه يُلخص الكثير عن شخصيته النبيلة. كانت هناك طالبةٌ جديدة، متأخرة عن قاعتها، بدت متوترة وقلقة، تبحث بعينيها عن الاتجاه الصحيح، ووسط ذلك الحشد الكبير، وقف الأستاذ فريد من مكانه، لم يكن مجبرًا على ذلك، لكنه كان يرى أن الإنسانية لا تحتاج إلى سبب، وأن تقديم العون هو أبسط حقوق الحياة.

توجه إليها بلطف، سألها عن قاعتها، ثم أرشدها إليها بابتسامةٍ مطمئنة، وكأنما ألقى في قلبها سكينةً لم تكن تملكها قبل لحظات. ذلك هو الأستاذ فريد زكارنة… رجلٌ لا يكتفي بالمعرفة، بل يُضيء بها حياة الآخرين.

أثرٌ لا يُمحى… حتى بعد الرحيل

بعض الناس يموتون، وتغيب ذكراهم مع الأيام، لكنّ العظماء يبقون خالدين بأفعالهم، وكلماتهم، وقلوبهم التي كانت تنبض خيرًا. الأستاذ فريد زكارنة لم يكن مجرد أستاذٍ جامعي، كان نبضًا من الأخلاق، وسراجًا من الإنسانية، وصوتًا يُردد أن العلم لا قيمة له إن لم يكن مقرونًا بالاحترام والتواضع.

رحل بجسده، لكن أثره باقٍ، في عقولٍ ساهم في بنائها، وقلوبٍ لامسها بنبله، وطُلابٍ ساروا في طريق النجاح مستلهمين من كلماته وقوفًا جديدًا بعد كل عثرة.

رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته، وجعل أثرك الطيب ممتدًا إلى الأبد…

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم الخميس

أسعار الذهب اليوم الخميس

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الخميس 1 مايو كالتالي :عيار 22 68.900 دينارعيار 21 …