3:05 صباحًا / 29 مارس، 2024
آخر الاخبار

صناعة الأمل والحياة!! ، بقلم : فاطمة المزروعي

صناعة الأمل والحياة!! ، بقلم : فاطمة المزروعي


عرف عن بعض المبدعين فوضويتهم وعدم اهتمامهم بالترتيب بل حتى عدم الاهتمام بهندامهم ومظهرهم ثم فقرهم الاجتماعي وفشلهم في إقامة صداقات، حتى قيل إن سبب هذه الحالة التي تعتريهم تعود إلى انشغال فكرهم الدائم بتوليد الأفكار والاختراعات لخدمة الإنسانية، وبالتالي فإنهم زهدوا في المظاهر والعلاقات الاجتماعية وبات المعمل والمكتبة هما الملاذ فيجدون في المحاليل والكتب الرفيق والصديق والأنيس، هذه الحالة جعلت البعض ممن يستهويه التقليد ولفت الأنظار يعتبر مثل هذه الخصال ميزة يقتدي بها ووسيلة للفت الأنظار، خاصة في الملبس والحركات، حيث بتنا نشاهد تقليعات كان منبعها الأول فناناً سواء موسيقي متمكن أو مخترع وفيلسوف مبحر في عالم التأمل والتفكير أو غيرهم ممن أخذ على عاتقه الإبداع وتسخير موهبته للجميع.
أعتقد أننا أخذنا من هؤلاء العلماء والعباقرة القشرة –إذا صح التعبير- وأهملنا الجوهر، نظرنا لما يلفت الانتباه ونسينا العمق، فطبيعة العلماء والعباقرة التواضع والزهد في الشهرة والانتشار، فهذا هو نيوتن يكتب لأحد أصدقائه رسالة يقول فيها لا تذكر اسمي أمام أحد لا أريد أن أشتهر بين الناس وتكثر معارفي. وهو نفسه الذي أصيب بانهيار عصبي أجبره على ترك العمل ما يقارب من العامين عندما اندلعت النيران في منزله فدمرته وأحرقت أوراقه وبحوثه.

هذه هو الفلك الذي يدور حوله العلماء والعباقرة، المختبرات والمعامل والكتب والبحوث والدراسات، وهي قضيتهم الحقيقية وتبعاً لذلك كان من الطبيعي أن نقرأ عن بعض منهم إهمال ارتداء الملابس الفاخرة الجميلة وعدم حضور الحفلات المزدحمة والاعتذار عن زيارة الأعيان وكبار البلد، لأنهم في الحقيقة مشغولون عن مثل هذه العلاقات الاجتماعية، وهم في أفكار وعالم آخر مختلف، وفي ظني أن هذا الانشغال هو الذي جعل صفحات التاريخ مشرعة لهم ولكلماتهم.

ومن النماذج المثالية في كتب التاريخ التي تروي قصص العلماء الذين ضحوا بعلاقاتهم الاجتماعية والمناصب والجاه من أجل العلم ونشر المعرفة بين الناس العالم العربي ابن رشد، الذي كان ينتمي لأسرة مشهورة فوالده وجده كانا قد تقلدا رئاسة القضاة في قرطبة، وكان يستطيع أن يرث الكثير من المناصب والثروة، لكنه اختط لنفسه طريقاً آخر فتوجه نحو العلم والدراسة والبحث وتبعاً لذلك أهمل العلاقات الاجتماعية والالتقاء بعلية القوم، وقد قيل إنه لم يترك القراءة طوال حياته إلا مرتين فقط عندما توفي والده وعندما توفيت زوجته. وغني عن القول إن هذا الفعل لا ينم عن شخص كان يحب الشهرة والتسلق وتقلد المناصب الرفيعة، بل عن إنسان كان همه رفعة الإنسانية وتنمية معرفتها لمزيد من التطور والرقي.

إنني عندما أقرأ وأنظر في كتب التاريخ لمثل هذه النماذج الحية من العلماء أصاب بحالة من الحزن والألم، وأسأل هل نريد أن نكون مقلدين أو صناعاً للحياة والأمل؟!

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى بقصف اسرائيلي على قطاع غزة

شفا – استشهد وأصيب عشرات المواطنين، الليلة، في غارات شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على أنحاء …