12:49 مساءً / 28 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

مسحة… قرية المسح والصمود في وجه الجدار ، بقلم : د. عمر السلخي

مسحة… قرية المسح والصمود في وجه الجدار ، بقلم : د. عمر السلخي


ترتبط تسمية قرية مسحة بروايتين تاريخيتين وشعبيتين تعكسان عمق المكان وأهميته. فبحسب الرواية الأولى، سُمّيت القرية بهذا الاسم نسبة إلى الجيش الإسلامي الذي فتح بيت المقدس بقيادة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قام الجيش بـ“مسح الأشرار” الذين كانوا في المنطقة، في دلالة على تطهير المكان وبسط الأمن. ولا تزال بعض أضرحة الصحابة والصالحين الذين قدموا إلى القرية آنذاك قائمة حتى اليوم، شاهدة على تلك المرحلة التاريخية.


أما الرواية الثانية، فتنتمي إلى الذاكرة الشعبية، وتقول إن راعي أغنام يُدعى عامر قدم إلى منطقة تُعرف باسم خلايل عامر، وقضى على عصابة من اللصوص حاولت سرقته، ومنذ ذلك الحين شاع القول: “عامر مسح العصابة”، ومنها جاءت تسمية مسحة، وبين الروايتين، تتجسد مسحة كقرية ارتبط اسمها بالفعل والحسم والحماية، سواء في التاريخ الرسمي أو في الحكاية الشعبية.


الموقع والحدود… بوابة سلفيت الشمالية الغربية


تقع قرية مسحة إلى الشمال الغربي من مدينة سلفيت، على بُعد 12.5 كيلومتر هوائي عنها، وترتفع نحو 281 مترًا عن سطح البحر، ويحدها من الشرق بلدة بديا، ومن الجنوب بلدة الزاوية، ومن الغرب بلدة عزون عتمة، ومن الشمال بلدة سنيريا وقرية بيت أمين، ويمنح هذا الموقع مسحة أهمية جغرافية خاصة، جعلتها عبر التاريخ حلقة وصل بين قرى سلفيت وقرى الداخل الفلسطيني، وهو ما انعكس لاحقًا في استهدافها بالجدار والاستيطان.


حالة صمود… بيت هاني عامر خلف الجدار


تُجسّد قصة بيت هاني عامر واحدة من أكثر حالات الصمود قسوة في محافظة سلفيت. فقد هُجّر عامر من بلدته كفرقاسم في فلسطين التاريخية عام 1948، ليستقر في قرية مسحة، قبل أن تبدأ فصول جديدة من المعاناة مع الاحتلال.


في أوائل عام 1990، هدمت قوات الاحتلال أجزاء من منزله بحجة مخالفته للقانون. ثم تلا ذلك هدم مطعمه والبيوت المتنقلة (الكرفانات) عام 1996، وصولًا إلى هدم مزرعة الدواجن والمشتل عام 2004، في سياق التحضيرات لإقامة جدار الفصل العنصري.


أدّى بناء الجدار إلى عزل منزل هاني عامر بالكامل عن القرية، وضمّه فعليًا إلى مستوطنة القنا الإسرائيلية المقامة على أراضي مسحة. فمن الجهة الشرقية، يواجه المنزل طريقًا عسكريًا وجدارًا إسمنتيًا يصل ارتفاعه إلى 12 مترًا، إضافة إلى بوابات إلكترونية، وكاميرات مراقبة، وأسلاك شائكة، فيما تحيط به من الجهات الأخرى مباني المستوطنة.


وتتعرض عائلة عامر بشكل يومي لسياسات الترهيب والتخويف والمضايقات من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين، ورغم ذلك، حوّل عامر منزله إلى عنوان للصمود، مستقبِلًا الوفود الفلسطينية الشعبية والسياسية، والعربية والأجنبية، والمؤسسات الدولية والحقوقية، والإعلاميين، للاطلاع على واقع الحياة القاسية خلف الجدار.


المعالم التاريخية… مسجد مسحة القديم


يُعد مسجد مسحة القديم من أهم المعالم الأثرية القليلة التي لا تزال قائمة في البلدة، ويقع في وسطها مقابل ساحة معبّدة، ويتكون المسجد من مبنى قديم يضم تسعة عقود متقاطعة، وكان يُستخدم في فترات سابقة كإسطبل، قبل أن يُعاد تأهيله ليصبح مسجدًا، للمسجد مدخلان، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب، ويضم منبرًا حديثًا من الجهة الجنوبية. كما يوجد بئر ماء ملاصق للمبنى من الجهة الشمالية، وبئر آخر محفور في الأرض من الجهة الشرقية. وفي الجهة الشرقية أيضًا درج يؤدي إلى مضافة تعلو المسجد.


شهد المبنى توسعة من الجهة الغربية في سبعينيات القرن الماضي. وكان أهالي مسحة يؤدون صلاة الجمعة في بلدة الزاوية حتى بداية الستينيات، قبل أن يُعاد استخدام هذا الموقع وتأهيله مسجدًا في نهاية الستينيات، ولا يزال يُستخدم للصلاة حتى اليوم، ويُعد المسجد القديم من المباني الأثرية النادرة التي حافظت على بنيتها الإنشائية الأصلية، رغم حاجته الماسة إلى أعمال صيانة وتأهيل تضمن استمراريته وحمايته من التدهور.


مسحة… قرية تواجه الجدار بالإرادة


بين اسمٍ ارتبط بالمسح والحسم، وموقعٍ استراتيجي جعله هدفًا للجدار والاستيطان، تقف مسحة اليوم نموذجًا لقرية فلسطينية صغيرة في مساحتها، كبيرة في رمزيتها وصمودها، فهي قرية تحاصرها المستوطنات، ويشق الجدار قلبها، لكنها ما زالت متمسكة بأرضها، وبذاكرتها التاريخية، وبحكايات الصابرين خلف الجدار، لتؤكد أن المكان، مهما ضُيّق عليه، لا يفقد روحه ولا معناه.

شاهد أيضاً

الحكومة تولي اهتمامًا خاصًا بالمرأة الفلسطينية في مختلف المجالات

رئيس الوزراء يهاتف رئيس بلدية قباطية ويوعز لمختلف جهات الاختصاص بالوقوف عند احتياجات البلدة

شفا – هاتف رئيس الوزراء محمد مصطفى رئيس بلدية قباطية أحمد زكارنة، للاطمئنان على المواطنين، …