2:39 مساءً / 21 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

قرار الأمم المتحدة 2017 : مرجعية قانونية ثابتة في مواجهة محاولات فرض الأمر الواقع ، بقلم : معروف الرفاعي

قرار الأمم المتحدة 2017: مرجعية قانونية ثابتة في مواجهة محاولات فرض الأمر الواقع ، بقلم : معروف الرفاعي

في مثل هذا اليوم من كانون الأول/ديسمبر 2017، أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة تثبيت أحد أهم مرتكزات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، عندما أقرّت قرارًا واضحًا يرفض أي تغيير في الوضع القانوني والتاريخي القائم لمدينة القدس، ردًا على إعلان الإدارة الأميركية آنذاك الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، لم يكن هذا القرار مجرد موقف سياسي عابر، بل شكّل رسالة دولية جامعة تؤكد أن القدس ما زالت مدينة محتلة، وأن مصيرها لا يُحسم بقرارات أحادية أو إجراءات فرض الأمر الواقع، بل عبر مسار تفاوضي يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.


أهمية هذا القرار لا تنبع فقط من توقيته، بل من مضمونه القانوني الصريح، إذ أكد بوضوح أن جميع الإجراءات والتشريعات الرامية إلى تغيير طابع القدس أو وضعها أو تركيبتها السكانية تُعد لاغية وباطلة ولا يترتب عليها أي أثر قانوني، كما دعا الدول كافة إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في المدينة المحتلة، في تأكيد عملي على عدم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، وبذلك، أعاد القرار تثبيت ما حاولت بعض الأطراف تجاوزه، وهو أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.


في سياق المفاوضات الرسمية الفلسطينية، يمثل هذا القرار ورقة قوة سياسية وقانونية لا يجوز التعامل معها بوصفها نصًا أرشيفيًا أو موقفًا رمزيًا، فالاستناد إليه في أي مسار تفاوضي يعيد ضبط الإطار المرجعي للنقاش، ويمنع محاولات القفز فوق الشرعية الدولية أو استبدالها بصيغ غامضة أو حلول انتقالية تُفرغ القضية من مضمونها، فالتمسك بهذا القرار يعني التمسك بمبدأ عدم جواز اكتساب الأرض بالقوة، وبحق الشعب الفلسطيني في عاصمته وفق ما أقره المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة.


أما على صعيد الإعلام الرسمي الفلسطيني، فإن أهمية القرار لا تقل وزنًا عن أهميته التفاوضية، فالإعلام ليس مجرد أداة نقل خبر، بل هو ساحة اشتباك سياسي وقانوني مع الرواية الإسرائيلية التي تحاول تكريس القدس كـ«عاصمة موحدة» لدولة الاحتلال، وعندما يُبنى الخطاب الإعلامي على هذا القرار، فإنه يتحول من خطاب احتجاجي أو وصفي إلى خطاب يستند إلى مرجعية دولية واضحة، قادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي بلغة القانون والشرعية، لا بلغة الشعارات فقط.


كما أن اعتماد هذا القرار في التقارير الإعلامية والبيانات الرسمية والمواد التوثيقية يعزز من مصداقية الرواية الفلسطينية أمام المؤسسات الدولية، ويمنحها أساسًا متينًا في مواجهة محاولات التطبيع مع واقع الاحتلال أو التعامل معه كأمر واقع لا يمكن تغييره، فكل انتهاك إسرائيلي في القدس، من الاستيطان إلى التهجير القسري وتغيير المعالم، يمكن ربطه مباشرة بخرق صريح لإرادة المجتمع الدولي كما عبّر عنها هذا القرار.


إن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود القرار، بل في كيفية توظيفه، فقرارات الأمم المتحدة لا تفرض نفسها تلقائيًا، بل تحتاج إلى فعل سياسي وإعلامي واعٍ يُبقيها حيّة في الخطاب والممارسة، ومن هنا، فإن إدماج قرار 2017 بشكل منهجي في المفاوضات الرسمية، وفي الرسائل الإعلامية اليومية، وفي التقارير الحقوقية والدبلوماسية، يشكّل خطوة ضرورية لتحصين الموقف الفلسطيني ومنع تآكله تحت ضغط الوقائع المفروضة على الأرض.


في المحصلة، لا يمكن الدفاع عن القدس دون الدفاع عن مرجعيتها القانونية، وقرار الأمم المتحدة الصادر عام 2017 ليس مجرد ردّ على اعتراف أميركي عابر، بل هو تأكيد متجدد على أن القدس ما زالت قضية قانونية مفتوحة، وأن الاحتلال، مهما طال، لا يصنع شرعية، فالاعتماد الواعي والمدروس على هذا القرار، تفاوضيًا وإعلاميًا، هو أحد مفاتيح حماية القدس من محاولات تصفيتها سياسيًا وتذويبها في خطاب الأمر الواقع.

  • – معروف الرفاعي – مستشار محافظ القدس
    .

شاهد أيضاً

الصين : بكين : شلال هويوي الجليدي يمنح برودة منعشة

الصين : بكين : شلال هويوي الجليدي يمنح برودة منعشة

شفا – قدم شلال هويوي الجليدي في نانكو، الواقع في حي تشانغبينغ ببكين في الصين …