
قصة الشهيد محمد رسلان محمود الأسمر الريماوي ، بقلم : الكاتب نصير أحمد الريماوي
من شهداء سياسة الإعدامات الميدانية
- – من آخر أٌقواله: بحبك يا أماه ، وسامحيني، أنا ذاهب للشهادة
- – حَرمَهُ الاحتلال من الحياة، ومن إكمال تعليمه، كما أسروا جسده حتى بعد وفاته.
- التهديد بقصف المنزل بالطائرة إذا فتحوا بيت عزاء، والتهديد بهدم المنزل.
كان يوم الثلاثاء، وفي الوقت الذي كانت تشتعل فيه المسيرات التضامنية على مدار ثلاثة أيام متواصلة في العالم بمناسبة يوم التضامن مع شعبنا الفلسطيني، المطالبة بإنهاء الاحتلال الصهيوني، فاضت روح الشهيد
” محمد رسلان محمود الأسمر الريماوي” 18 سنة الطاهرة إلى خالقها، وارتقى شهيدا مقبلا غير مُدبِر، عندما اعترضه جنود الاحتلال من لواء المظليين وحاصروه، ثم أطلقوا عليه الرصاص الحي من مسافة صفر أثناء الدفاع عن نفسه، أمام سياسة الإعدامات الميدانية التي ينفذها الجنود والمستعمرين المتوحشين ضد شعبنا الأعزل، وهو عائد على الشارع العام الذي يربط القرى الشمالية الغربية بمحافظة رام الله والبيرة قرب مستعمرة عطيرت الصهيونية، عند الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء بتاريخ 2/12/2025م .
لقد سطَّر مناضلوا عائلة الأسمر الريماوي بدمائهم الزكيَّة الطاهرة في صفحات تاريخ قضيتنا الفلسطينية بحروف من ذهب من أجل الحريّة، حيث قدّمت أربعة شهداء قاتلوا مع الإمبراطورية العثمانية ضد الاستعمار البريطاني لبلادنا، و رووا التراب العربي والفلسطيني بدمائهم، وهم: عبيد إبراهيم الأسمر الريماوي، وجنح إبراهيم الأسمر الريماوي، ومحمود يوسف الأسمر الريماوي، وياسين يوسف الأسمر الريماوي.
هذا اليوم الثلاثاء، له قصة بدأت ولم تنتهِ في تاريخ نضال شعبنا والذَّاكرة الفلسطينية، وأطلق عليه يوم ” الثلاثاء الحمراء”، حيث سطَّر فيه ثلاثة أبطال شجعان ملحمة بطولية، حينما أعدمهم الاستعمار البريطاني شنقا في سجن عكا بتاريح17/6/1930م، على إثر هبَّة الشباب الفلسطيني لنجدة المسجد الاقصى المبارك من مخططات الصهاينة. وصار رمزا لملحمة استشهادية تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.
بعدما تعافت والدة الشهيد” عطاف عقل” من صدمة الخبر، وما شاهدته على شاشات التلفاز، تمكنت من مقابلتها، فقالت لي: ولد الشهيد بتاريخ
25 /1/2007م في مستشفى “وليد الناظر” برام الله بعملية جراحية، وكان الجو باردا في فصل الشتاء، والغيوم في كَبدِ السماء تحجب الشمس تارة، وتارة أخرى تنجلي عنها، وكنت متوقفا عن الخلفة لمدة عشر سنوات، واكتفيت بأربعة أولاد وبنت.. لكن بعدها حملت به، وحاولت الإنهاء الطبي للحمل عند بعض الأطباء برام الله، ولم أجد الطبيب في العيادة بسبب مشاركته في مؤتمر علمي.. رجعت إلى المنزل، وكان عمر الجنين في تلك الفترة(40) يوما، ثم إنتابني شعور بالخوف، وإيذاء نفسي إذا حاولت الإجهاض العلاجي، ومن ناحية دينية حرام بعد مرور هذا الوقت.. ربنّا سبحانه وتعالى كتب له الحياة، وكان عمري(35)سنة، لقد كان هذا الطفل آخر العنقود، و المدلل وأحبه كثيرا، وأبقيه دائما بجانبي..عندما كَبُر تعلم في مدرسة بشير البرغوثي الثانوية، وبعد نجاحه في التوجيهي سجل في “الكلية العصرية الجامعية” برام الله، لأن رغبته كانت منصبَّة على تخصص التمريض، وأنهى سنته الأولى، وكذلك الفصل الأول من السنة الثانية تمريض.. لقد كان من بين هواياته حب كتابة القصص، وقراءة التاريخ القديم،عن الرومان، والاستراليين، وشعب الهنود الحُمر، وأن يصبح كاتبا، وكان يقول لي: ما يحصل مع شعبنا من إبادة الآن، مثل ما حصل مع الهنود الحُمر..كان الشهيد يتقن اللغة العربية الفصحى من كثر مشاهداته للتلفاز.. وكان كلما كتب نصا ما، يطلب منِّي أن أصححه، لأن تخصصي لغة عربية ، وكنت أعمل في مدرسة”دار المعرفة” التابعة لبلدية القدس، لكن الاحتلال فصل كل من تحمل هوية الضفة من العمل، فانقطع رزقنا، بعد ذلك، لجأت للعمل كبديلة في مدارس الضفة، وتحديدا في دير نظام، ودير السودان بمحافظة رام الله والبيرة..
حلم غريب
بدوية بملابس سوداء تريد أخذ الطفل منّي
تلملم”عطاف” دموعها، وتحاول إخفاء حزنها، ثم تضيف:عندما وضعت هذا الطفل، رأيت حلما غريبا ومزعجا في منامي لأربع مرات، حيث كانت تأتيني إمرأة بَدوية.. مرتدية ملابس سوداء اللون، أثناء رقود الطفل بجانبي، وتحاول أخذ الطفل منِّي، وتقول لي: “هذا إبني أنا، ما بدِّك إياه”!!، وكنت أرفض تسليمه لها، واستيقظ مفزوعة.. أتحسس الطفل، وأطمئن على بقائه بجواري، وأستعيذ من الشيطان، ثم أخلد إلى النوم ثانية، وكانت هذه البدوية تروح ثم ترجع، مُكرِرَة نفس الطلب، وأنا أرفض..لقد إنتابني خوف شديد من هذا الحلم، بعد ذلك، أخبرت خالتي الحاجة “أم مرسي” بما أراه في منامي، فنصحتني بقراءة القرآن، ثم وضعه على الفراش بجانبي ليلاً، وفعلا عملت بالنصيحة، وسرعان ما إنقطعت هذا الحلم، ولم أعد أرى المرأة البَدوية في منامي بعد ذلك..
قبل شهر من استشهاده، أخبر والدته بأن جنود الاحتلال أنزلوه من المركبة مع بقية الركَّاب على حاجز عطارة العسكري أثناء عودته من الجامعة إلى مسقط رأسه “بيت ريما”، وسأله الجنود، ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟
أجاب: أريد إنهاء دراستي الجامعية، ثم أعمل وأكوِّن أسرة بعد ذلك..
من الجدير ذكره، أن سلطات الاحتلال وضعت (900) حاجز عسكري، بالإضافة إلى(170) بوابة حديدية مع كتل اسمنتية منذ 7/10/2023م على مداخل ومخارج المحافظات والقرى، بهدف التنغيص على حياة المواطنيين، و كجزء من سياسة الاحتلال لتقييد الحركة، والسيطرة على التنقل، ولخنق المحافظات الشمالية والجنوبية، كما شكلت تحديا يوميا لشعبنا. وقد عانى الشهيد من الحواجز المقامة أثناء ذهابه إلى الجامعة وإيابه منها كبقية أفراد شعبنا الأعزل. و استشهد الكثير من المواطنين على هذه الحواجز برصاص جنود الاحتلال وبرصاص المستعمرين المسلحين، المتعطشون لسفك الدم الفلسطيني.
تكمل والدته الحديث: قبل أسبوع من استشهاده، كنّا نشاهد الأخبار من التلفاز معا، سألني: هل رأيت يا أماه كيف قاوم شاب سوري عادي لوحده مجموعة جنود صهاينة، وقتل سبعة منهم، بعدما قتلوا ثلاثة عشر مواطنا سوريا في ريف سوريا الجنوبي؟
قلت له: إن جنود الاحتلال اقتحموا حدود بعض الدول العربية، مثل: لبنان وسوريا، توسعوا، وقصفوا، وقتلوا.. هذا العدوان يثير حفيظة الشباب العربي، ويشعل نار التضحية في عروقهم دفاعا عن الوطن..
استيقظ باكرا، توضأ، وصلى صلاة الضُحى
ترك طعام الفطور والشاي، ثم خرج جائعا
وأضافت: قبل يوم من استشهاده مساء الإثنين، أبلغني بأنه يريد الاستيقاظ صباحا، من أجل الذهاب إلى الجامعة، للدراسة مع زملائه الطلبة، وسألته: لماذا، أليست محاضرتك الساعة العاشرة صباحا؟
أجاب: عليّ امتحان، وأريد المراجعة والقراءة مع زملائي قبل الامتحان…
في نفس الليلة، أخذني بالأحضان وقبَّلني، كما قبّلَ والده، وإخوته، وأطفال شقيقه، هكذا هي عادته، حتى أنه كان مع خالاته دائما يتعامل بنفس المعاملة.. في نفس تلك الليلة، اتصل ببعض سائقي النقل العام، وحجز معه للذهاب صباحا إلى مدينة رام الله..عند لساعة السادسة والنصف صباح يوم الاستشهاد، أيقظته من نومه..توجه إلى دورة المياه، توضأ ثم أدى صلاة الضحى.. ارتدى بنطال كابوي مع سترة خضراء اللون.. وضع إبريق الشاي على الغاز.. ما هي إلا لحظات، حتى حضرت المركبة التي حجز مقعدا فيها إلى المنزل..بدأ السائق بتشغيل الزامور بشكل متقطع لإعلامنا بقدوم المركبة، حينئذ، كنت أعجن الطحين، وتحضيره للخبز، بعد تحضير طعام الفطور للشهيد..
قال الشهيد: لقد حضرت السيارة وخرج تاركا خلفه طعام الفطور، وإبريق الشاي، ولم يتناول منهما شيئا.. ثم خرج جائعا..
انطلقت المركبة العمومية بالركاب متوجهة إلى مدينة رام الله، عندما وصلت دوار مدينة “روابي”، دفع الشهيد أجرة السيارة، ثم طلب من السائق التوقف وإنزاله..
سأله السائق باستغراب: لماذا تريد النزول هنا يا “محمد”؟
- أريد انتظار زملائي .
نزل من المركبة، وهي غادرت المكان، بينما هو عاد أدراجه مشيا على الأقدام، حاملا على ظهره حقيبة كتبه الجامعية وقرطاسيته، ويسير بخطى وئيدة ثابتة على الشارع العام.. شاهده سائقون من البلدة- يعملون على الخط طبعا- هذا الشارع العام يربط القرى الشمالية الغربية بمحافظة رام الله والبيرة، ويستخدمه أيضا المستعمرون من المستعمرات الصهيونية المحاذية له..رأوا شقيقه “ليث” في مدينة بيرزيت أثناء ذهابه إلى عمله في مدينة رام الله.. أبلغوه بأنهم شاهدوا الشهيد يسير على الشارع لوحده، وراجع بالاتجاه الغربي نحو البلدة، قريبا من مستعمرة “عطيرت” الصهيونية المقامة على أرضي قريتي أم صفا وعطارة..
إتصل “ليث” بوالدته فورا عند الساعة (7,30) صباحا.. وسألها: لماذا أخي”محمد” نازل عند دوار “روابي” يا أمي؟ حيث كانت في تلك الأثناء تخبز في العجينات.
أنا بحبك يا أمي، سامحيني،ذاهب للشهادة
تقول الوالدة: على الفور إتصلت به، وسألته عن السبب فرد عليّ: أنا بحبك يا أمِّي، وسامحيني، أنا ذاهب للشهادة، رجوته، وطالبته بالعودة إلى المنزل، وقلت له: لا تُحسِّر قلبي عليك يا أمي.. أغلق هاتفه الجوال، ولم يرد على أحد.
هنا، جنَّ جنون الوالدة، وصارت تتصل بإخوته، و بسائقين لتوفير سيارة للذهاب إليه، وإعادته عُنوة، لكنها لم تتمكن، ولم يسعفها الوقت، وأُصيبت بحالة هستيريا..
أضافت: لقد توقفت عن خبز ما تبقى من العجين، وشعرت بنار اشتعلت في جسدي، وصرت أصيح وأبكي، ولم أعرف ماذا أفعل.. لم يكن له أي نشاط سياسي ولا حتى انتماءات.. كان يذهب إلى محاضراته ثم يعود إلى البيت، ولا يخالط الناس، عاقل وهادئ..في بعض الأحيان كنت أحثّه على الخروج من المنزل لرؤية الناس، ولم يحبذ الخروج، بل يؤثر البقاء في المنزل والإنكباب على دراسته..
لحظة الاستشهاد البطولي
إعدام ميداني، واحتجاز الجثمان
كان يوم الثلاثاء، وفي الوقت الذي كانت فيه تشتعل المسيرات التضامنية على مدار ثلاثة أيام متواصلة في العالم بمناسبة يوم التضامن مع شعبنا الفلسطيني، والمطالبة بإنهاء الاحتلال الصهيوني، فاضت روح الشهيد
” محمد رسلان محمود الأسمر الريماوي” 18 سنة الطاهرة إلى خالقها، وارتقى شهيدا مقبلا غير مُدبِر، عندما اعترضه جنود الاحتلال من لواء المظليين، بعدما اتصل بهم أحد الصهاينة، الذي كان يُرَكِّب كاميرات مراقبة قرب سياج مستعمرة”عطيروت”، وأبلغهم بوجود شاب يسير لوحده على الشارع العام، ويحمل شنطة على ظهره.. حضر جنود الاحتلال من لواء المطليين فورا.. حاصروا” محمد” ومنعوه من مواصلة السير..دققوا في بطاقته الشخصية، تشاجر مع إثنين من الجنود بسبب استفزازاتهما له، هجما عليه مستفردين به.. طرحاه بعنف على إسفلت الشارع العام بعد إغلاق الشارع أمام المركبات الذاهبة والعائدة، ثم أطلقوا عليه الرصاص الحي من مسافة صفر، أثناء دفاعه عن نفسه أمام سياسة الإعدامات الميدانية التي ينفذها الجنود والمستعمرون المتوحشون ضد شعبنا الأعزل، وهو عائد على الشارع العام الذي يربط القرى الشمالية الغربية بمحافظة رام الله والبيرة، والمحاذي لمستعمرة عطيرت الصهيونية، وقد تم إعدامه قرب قرية “أم صفا” بدم بارد، عند الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء بتاريخ 2/12/2025م، خلعوا عنه ملابسه.. منعوا اقتراب الإسعاف الفلسطيني منه لتقديم الإسعافات الأولية له، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وفاضت روحه الطاهرة إلى خالقها، ثم احتجزوا الجثمان لغاية الآن، و لم تعرف أسرة الشهيد مكان احتجازه.. عقب الحادثة ، وضع الاحتلال حواجزه العسكرية على مداخل: عطارة، والنبي صالح، وعين سينيا، وبيت ريما، ويبرود، وسنجل، وترمسعيا، وعابود وإغلاق الشوارع مما حرم المواطنين من الوصول إلى أماكن سكناهم لساعات طويلة.
يدعي الكيان الصهيوني بأن الشهيد حاول طعن جنديين وأصابهما بجراح طفيفة، مع العلم، بأن الشهيد غير مسلح، وكان باستطاعت الجنود السيطرة عليه بسهولة، واعتقاله دون اللجوء لسياسة الإعدام الميداني التي يُؤيدها اليمين الصهيوني الإرهابي بزعامة “إيتمار بن غفير” وزير الأمن القومي الصهيوني، الذي عمل على تسليح المستوطنين في الضفة الغربية بـ(170) ألف قطعة سلاح بتاريح 15/10/2024م، ومنذ بداية العدوان الصهيوني على المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) خلال معركة “طوفان الأقصى”. (تصريحات بن غفير، نقلا عن قناتي الجزيرة و العربي).
تسليح يهود إرهابيين
وتنفيذ جرائم ضد الإنسانية
طبعا، هذه السياسة أدت إلى تصاعد هجمات المستوطنين الأغراب ضد أفراد شعبنا، كان بعضهم يضع أقنعة على رؤوسهم، وبعضهم مكشوفين بلا أقنعة، وعمدوا إلى مهاجمة القرى، وإحراق منازل، ومركبات، وتراكتورات زراعية، وقتل مواطنين عُزَّل باطلاق الرصاص أو بالضرب المبرح بالهراوات، واقتلاع أشجار زيتون مثمرة من الأراضي، ومنع المزارعين من دخول أراضيهم، كما منعوا العديد من المزارعين من جني ثمار زيتونهم هذا الموسم، وسرقة ثمار زيتون، وسرقة مواشي من أصحابها بالقوة، وإقامة حواجز على الطرقات، ومصادرة أراضي، ويتم ذلك، بمساندة جيش الاحتلال، ويتفذون هذه الجرائم بلا رادع، فيما ارتكب الاحتلال في المحافظات الجنوبية(قطاع غزة)، جرائم إبادة جماعية ضد شعبنا الفلسطيني، وتدمير كافة مرافق الحياة. لقد أظهروا بجرائمهم الوجه الفاشي، وفاقوا النازيَّة، و نفذوا جرائم ضد الإنسانية وفق المعايير الدولية وبدعم أمريكي..لقد بلغت حصيلة شهداء الوطن في قطاع غزة منذ 7/10/2025م حتى الآن أكثر من(70,365)شهيدا وشهيدة، وتدمير(232) مدرسة وجامعة، وتدمير منازل مليون ونصف مواطن وتشريدهم، وتدمير مرافق صحية، والبنية التحتية، وفرض الحصار الخانق لمنع دخول المساعدات، وممارسة سياسة التجويع كسلاح حرب بهدف كسر إرادة شعبنا، و التطهير العرقي، أما في المحافظات الشمالية فبلع عدد الشهداء (1102) شهيد وشهيدة..إلخ
ممنوع فتح بيت عزاء، ممنوع التجمع والقهوة
سوف نقصفكم بالطائرة، وألقوا الكراسي في بستان الجيران
نعود لوالدة الشهيد لتتابع حديثها: بدأ المواطنون يتجمعون أمام منزلنا، بعد أن أبلغت إسرائيل الإرتباط الفلسطيني والصحة بنبأ استشهاد”محمد”، ونحن لم نعرف بعد، نظرا لتضارب الأخبار، البعض صار يقول لنا: إن محمد جريح والآن في الإسعاف لتخفيف وقع خبر الاستشهاد علينا، لكن وسائل التواصل الإجتماعي نشرت خبر استشهاده..
قبل أذان صلاة الظهر اقتحم جيش الإحتلال بـ(12) جيبا عسكريا، وناقلات جنود بلدتنا بيت ريما، هنا تفرَّق المواطنون على وجه السرعة، ولم تُقم الصلاة في المسجد حينها..
حاصروا وسط البلدة حيث يقع منزلنا، والجزء الجنوبي.. جاءوا إلى المنزل، واقتحمه قرابة(29) جنديا وجندية بعنف، بعضهم صار يفتش ويبعثر في الأثار، وسألوا عن غرفة الشهيد، وأين وصيته؟ اعتدوا عليّ بالتهديد بالسلاح ، وصادروا جوالاتنا، وبطاقات الهوية، ورموا بطاقة هوية والد الشهيد تجاه منزل الجيران وجواله، في هذه اللحظة كان الوالد يزور م قريبه” إبراهيم” المجاور لنا، وقسم من الأولاد ذهب إلى منزل قريبهم الآخر”إتحاد”..أعادوا هوياتنا، فيما احتجزوا هويتي إبني “ليث وعبد الله”، وسألوا عن باقي أولادي، وأين الشاباب الذين كانوا متجمهرين هنا صباحا؟ حملوا الكراسي البلاستيكية المُصطفة في ساحة المنزل وألقوها إتجاه بستان جارنا “محمد نمر” وتحطم بعضها..
التهديد بقصف المنزل بالطائرة إذا فتحوا بيت عزاء
وهددونا بقصف المنزل بالطائرة، إذا تم فتح بيت عزاء، أو إذا بيعلموا بأي تجمُّع، وممنوع القهوة.. ثم أجبرني رجل المخابرات- ويدعى بشار – على الجلوس على كرسي وجلس أمامي، وحقق معي، وسألني: لماذا ابنك عمل هكذا؟ وكرر السؤال عدة مرات.. وهل تفتخرين بإبنك؟ لم أرد عليه، وقلت في نفسي من كثر ما فعلتم بشعبنا من جرائم..ويكرر الأسئلة بعصبية، وجاءت مجندة، وصوّبت سلاحها نحو رأسي.. وشاهدنا طائرة دورون مُسيَّرة تحوم فوق حارتنا.. ثم اعتقلوا إخوة الشهيد الأربعة مع قريبهم
” مصطفى إتحاد”.. واستغرق الإقتحام لمدة ساعتين.
سرق الجنود أجهزة تصوير، ولاب توب،
ودورون للتصوير، وهاتف من غرفة المصور”مصطفى”
“محمود” شقيق الشهيد هو أحد المعتقلين، قال: كنت أنا وشقيقَي”ليث” و”نادر” في زيارة لقريبي” إتحاد”، ونحن هناك، أخبروني بوجود ناس في منزلنا، عدنا إلى المنزل، ومن ثم ذهبنا مع الوالد إلى منزل قريبنا “إبراهيم” أما ليث فقد عاد إلى منزل”إتحاد” ثانية، في هذه اللحظة اقتحم الجيش البلدة، حاصر أولا منزل “إتحاد”، وكسر الباب الرئيس لغرفة الضيوف، وصادروا منها أجهزة التصوير مع الدورون المستخدم للتصوير، والهاتف واللابتوب، العائدة للمصور” مصطفى”، وقال له الجنود بأن الدورون ممنوع استخدامه.. واعتقلوا “مصطفى”، و”ليث”، ثم قيّدوا أيديهما وأعصبوا عيونهما .. بعد ذلك، جاءوا نحونا، حاصروا المنزل الذي نحن فيه، وبعضهم صعد إلى أسطح المنازل المجاورة.. اقتحموا المنزل.. سألوا : من هو رسلان ومحمود؟ تعالا.. أخذونا من هناك، حققوا معنا، واعتدوا علينا بالضرب، ثم قيّدوا أيدينا، ووضعوا الأعصبة على العيون، وأدخلونا في الجيب العسكري مبطوحين بين الكراسي، ثم أحضروا “مصطفى” وليث” ووضعوهما من فوقنا.. وإنهالوا علينا ركلا بأرجلهم، بينما تركوا الوالد.. واقتادونا إلى النقطة العسكرية المقامة على أراضي قرية”عابود”..
تناوبوا علينا بالضرب المبرح بأعقاب البنادق على الرؤوس، وضرب الرؤوس بالأرض، وضرب الصدور بالبساطير، ومختلف أنحاء الجسد وشتم الدين والرَّب، والتهديد بهدم بيتنا
عندما وصلنا، هناك سمعت أغاني كأنهم في حفلة..أنزلونا من الجيب العسكري وأدخلونا في داخل كرفان على الأرض ونحن مكبَّلين، وكل من كان هناك في الحفلة من جنود ومجندات تناوبوا علينا بالضرب المبرح وبأعقاب البنادق على الرؤوس، وضرب الرأس بالأرض، وضرب الصدور بالبساطير بالأرض.. بعضم سكرانين، ويشتموا الدِّين الإسلامي، والرَّب، ويضربوننا بالحائط كلما مررنا بجانب حائط، ويهددونا: “إذا ما بيسلم حاله أخوكم “عبد الله” بدنا نهدم البيت”..عند الساعة(3,30) عصرا ذهب أخي “عبدالله” إلى معتقل”عوفر” الصهيوني، وسلَّم نفسه هناك.. لقد استمروا في تعذيبنا لمدة سبع ساعات تقريبا، بعد ذلك، نقلونا إلى معتقل “عوفر” المذكور آنفا من السابعة حتى العاشرة مساء.. هناك، سألونا : من هم أصحابه، وماذا تعمل أنت؟
أجبته : أعمل في إسرائيل.
قال: من الآن فصاعدا ممنوع تدخلها. وممنوع فتح بيت عزاء، نحن نراقبكم.
أضاف محمود: لا يفوتني ذكر، أنهم أعتقلوا طفلا من البلدة، وأحضروه إلى عندنا في النقطة العسكرية حيث كنَّا، اسمه”يحيى حمدان الريماوي” البالغ من العمر (15) سنة، أجبروه على خلع ملابسه في هذا الجو البارد، باستثناء الملابس الداخلية..طرحوه أرضا، وبدأوا صفعا وركلا فيه، سمعتهم يسألونه: لماذا تضرب حجارة؟ وهو يردّ عليهم: لا، أنا لم أضرب، أنا كنت ذاهبا لشىراء الخبز لأهلي عندما اعتقلوني.
يضربون فيه، ويقولون له : “كُل خبز.. كُل خبز”.. وهو يتلوى من الألم ويصرخ. أيضا، رأيت ختيارا من قرية “كوبر” ويحمل بين يديه أدوية طبَّية، يضربون فيه، وهم يرددون : هذا أبو المُخرِّب، هذا أبوك يا محمود؟ والختيار يسألني أمامهم: هل أنا أبوك؟
قلت لهم: هذا ليس والدي..
شاهدت مجموعات بعضها سكران تتبادل على ضربه، ويسألونه نفس الاسئلة، لم يرحموا كِبرَ سنه، ثم نقلوه معنا إلى معتقل “عوفر”، عند الساعة العاشرة ليلا، أفرجوا عنّا بعد (12)ساعة من التعذيب.. أُصبنا على إثره: برضوض وكدمات، وانتفاخات في الأرجل والأيدي، وآلام في الرُّكب، والأكتاف، والأيدي.
لقد توالت اقتحامات جيش الإحتلال لبلدتنا، ليلا ونهارا لأكثر من ثلاث مرات إقتحموا منزل الشهيد، وفي المرة الأخير لم يجدوا أحدا، فأطلقوا قنابل صوتية تجاه الأهل في المنزل، وانصرفوا.
أما “رسلان” والد الشهيد فقد أوضح لي، بأنهم لغاية الآن لم يستلموا جثمان الشهيد من سلطات الاحتلال، ولا يعرفون أيضا مكان احتجازه، وقال: لذلك، اتصلنا بمحامي استرداد جثامين الشهداء، وهو تابع لـ”مركز القدس لحقوق الإنسان”، كما أعطيناه وكالة بذلك، من أجل المتابعة، على أمل الوصول إلى معلومات عن المكان والإفراج عنه. لقد عانت والدة الشهيد كثيرا، وأحضرنا لها الطبيب على مدار ثلاثة أيام، حتى استقر وضعها الصحي والحمد لله.
من الجدير ذكره، أن عدد جثامين الشهداء المحتجزة منذ 7/10/2025م بلغ (735) بينهم أطفال ونساء، وبينهم جزءا في مقابر الأرقام. حسب موقع “مرصد شيرين، والحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء”.
حَرمَهُ الاحتلال من الحياة، ومن إكمال تعليمه،
كما أسروا جسده حتى بعد وفاته
استشهد” محمد”، وبقيت قصته وبقية الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم على مذبح الحريّة والاستقلال قصة لم تنتهِ، طالما الاحتلال مستمر في اغتصاب وطننا الحبيب. وقد حرمه رصاص الاحتلال من الحياة، ومن مواصلة تعليمه العالي الذي حلم به، واعتقل جثمانه الطاهر، وصار أسيرا حتى بعد وفاته.
يوما ما، سيتحرر هذا الجسد من الظلم والقهر لو بعد حين. هذه هي قصة الشهيد، من شهداء معركة طوفان الأقصى، هي قصة كفاح ونضال شعبنا من أجل الإنعتاق من براثن الاحتلال. مازالت أسرة الشهيد تنتظر عودة جثمان البطل إلى مسقط رأسه لمواراته الثرى بجانب شهداء البلدة الأكرم منّا جميعا، فهم لا يموتون بل يخلدهم التاريخ.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .