9:36 مساءً / 8 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

التربية الفلسطينية ، رؤية تربوية متكاملة ، بقلم : د. سارة محمد الشماس

التربية الفلسطينية ، رؤية تربوية متكاملة ،

التربية الفلسطينية ، رؤية تربوية متكاملة ، بقلم : د. سارة محمد الشماس

يمثل نموذج التربية الفلسطينية إطارًا تربويًا تشكل عبر تفاعل معقد بين العوامل الثقافية والاجتماعية والتعليمية، ليكون منظومة تعليمية تأخذ خصوصيتها من بيئة المجتمع الفلسطيني واحتياجاته. تطور هذا النموذج تدريجيًا، مستفيدًا من الخبرات التربوية العربية والعالمية، ومسعى المؤسسات التعليمية لتطوير مناهج تستند إلى معايير حديثة تتلاءم مع متطلبات المتعلم في العصر الحالي. يجمع هذا النموذج بين الأسس التربوية المعاصرة والمرجعيات الثقافية المحلية، مما أسهم في بناء تصور تربوي يسعى إلى تحقيق التوازن بين المعرفة العلمية والمهارات الحياتية والقيم الاجتماعية.


يعتمد هذا النموذج على مجموعة من المبادئ الفلسفية التي تشكل أساسه، على رأسها التركيز على تنمية مهارات التفكير والتحليل والاستقصاء، باعتبارها أدوات ضرورية للمتعلمين للتعامل مع تحديات البيئة المحيطة. كما يقوم على تعزيز التعلم المتمحور حول المتعلم، من خلال تشجيعه على المشاركة الفاعلة في العملية التعليمية، وتحفيزه على استخدام أساليب البحث والاكتشاف في بناء معرفته. يعتبر الارتباط بالبيئة المحلية أحد مكونات هذا النموذج، حيث ينظر إلى المدرسة بوصفها امتدادًا للمجتمع، وتنعكس هذه النظرة في تصميم الأنشطة التي ترتبط بواقع المتعلم الجغرافي والاجتماعي.


تعد المناهج الدراسية ركيزة أساسية في نموذج التربية الفلسطينية، حيث تتضمن مواد متنوعة تستهدف الجوانب الأكاديمية والمعرفية للطالب، إلى جانب الأنشطة اللامنهجية التي تهدف إلى تطوير شخصيته وتعزيز مهاراته. وقد اتجهت المناهج الحديثة إلى دمج التكنولوجيا في التعليم، مما يسمح للمتعلمين باستخدام الموارد الرقمية، وتنمية مهاراتهم التقنية، والتواصل مع مصادر تعلم متنوعة. من خلال ذلك يسعى النظام التعليمي إلى تحقيق توازن بين التعليم النظري والتطبيق العملي، بما يسهم في إعداد المتعلم لحياة نشطة وفعالة داخل المجتمع.


يبرز دور المعلم في هذا النموذج بوصفه عنصرًا محوريًا في العملية التعليمية، فهو ليس ناقلًا للمعرفة فحسب، بل مرشدًا وموجهًا يلعب دورًا في تنمية قدرات المتعلمين وتوجيههم نحو اكتساب مهارات التفكير والعمل التعاوني. لهذا تعطى أهمية كبيرة لتدريب المعلمين وتطوير أدائهم المهني، من خلال برامج تأهيلية تستند إلى استراتيجيات تعليمية حديثة، مثل التعلم النشط، والتقييم البنائي، وتوظيف التكنولوجيا في التعليم. ويسهم ذلك في تعزيز قدرة المدارس على تقديم تعليم نوعي يتماشى مع التطور التربوي العالمي.


تحظى العلاقة بين المدرسة والمجتمع بأهمية خاصة في السياق الفلسطيني، حيث يعتمد النموذج التربوي على تأسيس شراكات فعالة مع أولياء الأمور والمؤسسات المحلية، بما يعزز الانتماء ويزيد من فرص دعم العملية التعليمية. وتظهر نتائج هذا التعاون في المبادرات المجتمعية، والأنشطة الثقافية، وبرامج التوعية التي تنفذ داخل المدارس وخارجها. يشكل هذا التكامل بين المدرسة والمجتمع عنصرًا أساسيًا لنجاح العملية التربوية، فهو يضمن تفاعلًا إيجابيًا يسهم في تحسين البيئة المدرسية وتوفير فرص تعلم إضافية للمتعلمين.


مع ذلك يواجه هذا النموذج مجموعة من التحديات التي تؤثر على قدرته على التطور المستمر. فالضغوط الاقتصادية وضعف الموارد يشكلان عائقًا أمام تطوير البنية التحتية المدرسية وتوفير الوسائل التعليمية المناسبة. كما أن ازدحام الصفوف في بعض المناطق يقلل من فاعلية التعلم النشط، ويزيد العبء على المعلمين. وتبرز الحاجة إلى تعزيز التحول الرقمي وتطوير التعليم الإلكتروني، بما يتطلب استثمارات إضافية في التكنولوجيا والتدريب. ومن التحديات أيضًا تفاوت الإمكانات بين المدارس، مما يؤدي إلى اختلاف في جودة الخدمات التعليمية المقدمة للمتعلمين. ورغم هذه التحديات يمتلك نموذج التربية الفلسطينية آفاقًا واسعة للتطوير المستقبلي، خاصة مع تنامي الاهتمام بإدماج التكنولوجيا في التعليم، وتحديث المناهج استجابة لمتغيرات سوق العمل. كما يتجه النظام التعليمي إلى تعزيز دور المتعلم في عملية التعلم، وتوسيع نطاق الأنشطة التطبيقية، وتطوير أدوات التقييم التي تقيس التفكير التحليلي والإبداعي بدلًا من التركيز على الحفظ. ويسهم التعاون مع المؤسسات الدولية والمحلية في تطوير البرامج التعليمية، وتحسين ممارسات التعليم والتعلم.


يعكس نموذج التربية الفلسطينية رؤية تربوية تسعى إلى بناء متعلم قادر على التفاعل الإيجابي مع بيئته، ومؤهل لاكتساب مهارات العصر الحديث. رغم تعدد التحديات يستمر هذا النموذج في التطور، معتمدًا على أسس تربوية معاصرة وشراكات مجتمعية، ورؤية تعليمية شاملة تركز على بناء الإنسان وتنمية قدراته المعرفية والاجتماعية.

  • – د. سارة محمد الشماس – باحثة وكاتبة في التراث والعلوم التربوية

شاهد أيضاً

دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية

“شؤون اللاجئين بالمنظمة” تدين اقتحام مقر الاونروا في القدس وتعتبره تعدياً على الأمم المتحدة ومنظماتها وانتهاكاً لميثاقها

شفا – أدانت دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية اقتحام قوات الاحتلال الاسرائيلي مقر وكالة …