12:48 مساءً / 27 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

بلدة ديربلوط ، بوابة التاريخ إلى الساحل الفلسطيني ، بقلم : د. عمر السلخي

بلدة ديربلوط ، بوابة التاريخ إلى الساحل الفلسطيني ، بقلم : د. عمر السلخي

بلدة ديربلوط… بوابة التاريخ إلى الساحل الفلسطيني ، بقلم: د. عمر السلخي


التسمية ودلالاتها التاريخية


يرتبط اسم ديربلوط بالتراث الديني والطبيعي على حد سواء، إذ يشير اللفظ إلى شجرة البلوط التي كانت تغطي أجزاء واسعة من أراضي المنطقة. وقد ورد ذكر البلدة في كتب التراث، حيث أشار ياقوت الحموي إليها باعتبارها إحدى قرى الرملة، ونُسب إليها عدد من العلماء، أبرزهم عبد الله بن محمد بن الفرج بن القاسم أبو الحسن اللخمي الدير بلوطي (المقرئ الضرير)، الذي قال عن مولده: “في دير بلوط ضيعة من ضياع الرملة”.


وتتعدد الروايات حول أصل التسمية؛ فبعض الآراء تربطها بوجود أحد الأديرة القديمة في العهد الروماني، وخاصة أن المنطقة محاطة بأديرة تاريخية مثل دير سمعان ودير القلعة. بينما يرى آخرون أنّ التسمية جاءت من الغابات الكثيفة التي كانت تغطي البلدة بأشجار البلوط قبل أن تُقطع خلال العهد العثماني. ويعتقد بعض الباحثين أن اسم البلدة ربما يكون أقدم حتى من انتشار هذه الغابات.


الموقع والحدود


تقع بلدة ديربلوط غرب مدينة سلفيت، على مسافة 11 كم هوائي، ويبلغ ارتفاعها 277 مترًا عن سطح البحر. ويمنحها موقعها الجغرافي أهمية استثنائية، إذ تعد بوابة طبيعية نحو الساحل الفلسطيني، وممرًا تاريخيًا يربط بين المناطق الجبلية والسهول الساحلية.


وتحد البلدة أراضي رافات شمالًا، وكفر الديك شرقًا، وكفر قاسم ومجدل الصادق غربًا، ورنتيس واللبن الشرقية جنوبًا. ويُظهر هذا التموقع تداخلًا طبيعيًا بين الجبال والوديان المحيطة، مما جعل ديربلوط عبر التاريخ نقطة وصل مهمة بين المركز والغرب الفلسطيني.


الإرث التاريخي والمعالم الأثرية


⦁ مرج ديربلوط
يقع مرج ديربلوط شرق البلدة، ويُعرف أيضًا بمرج الزعفران. يمتد المرج على مساحة تقارب 2000 دونم، إضافة إلى امتداد المريج شمال البلدة بمساحة 200 دونم. ويُعتبر المرج من أكثر الأراضي خصوبة في المنطقة، إذ يحتوي على منخفض مائي يُعرف بالبالوع بمساحة 60 دونمًا، تتجمع فيه المياه حتى شهر أيار قبل استغلاله في الزراعة.
تلعب النساء دورًا محوريًا في الزراعة داخل المرج، حيث يُزرع بالحمص والبامية والبندورة والقمح والشعير والبصل والثوم والفقوس وغيرها من المحاصيل. ويقام فيه سنويًا مهرجان الفقوس الذي أصبح رمزًا للبلدة. وقد كان المرج يُزرع قديمًا بالتبغ والبطيخ والشمام والسمسم حتى عام 1967.


⦁ خربة دير قلعة
تبعد خربة دير قلعة حوالي 2 كم جنوب شرق البلدة، وتُعد من أهم المواقع البيزنطية في فلسطين. أظهرت التنقيبات التي تمت عام 1993 وجود دير يعود للقرن السادس الميلادي في عهد جستنيان، يتضمن مباني ديرية واسعة، وأرضيات فسيفساء جميلة، ورخامًا، وخزان مياه ضخم هو الأكبر في فلسطين خلال تلك الحقبة بسعة 5000 متر مكعب. ويحيط بالموقع سور دائري واسع يحتضن أراضي مزروعة بالزيتون.


⦁ خربة دير دقلة
تقع هذه الخربة على سلسلة الجبال جنوب البلدة، وتطل على الساحل الفلسطيني والطريق المؤدي إلى اللد. تضم ثلاث خرب أساسية: دير دقلة ومسمار وبراعيش. وتحتوي على آثار متعددة مثل الأبنية المهدمة والعقود الحجرية والبرك والصهاريج ومعاصر الزيتون والمدافن والكهوف، مما يدل على أنها كانت مركزًا سكنيًا وزراعيًا ودينيًا عبر مراحل مختلفة.

مغارة الأصنام


تقع مغارة الأصنام في الوادي بمنطقة لحف ظهر أبو الرايات جنوب غرب ديربلوط، وقد اكتشفها أحد الرعاة في منتصف الثمانينيات. تتميز المغارة بصواعد وهوابط وردية اللون تكونت على مدار مئات السنين، وبغرف داخلية تصل مساحتها إلى 50 مترًا مربعًا. وسُمّيت بهذا الاسم بسبب أشكال الصخور المتدلية، دون أي دلالة دينية.

    أثر الاستيطان على بلدة ديربلوط


    تقع ديربلوط في الخط الأمامي للاشتباك اليومي مع المشروع الاستيطاني، وقد تعرضت خلال العقود الأخيرة لاعتداءات مستمرة تهدف إلى تقليص مساحتها الجغرافية ومنع تطورها العمراني والزراعي، فقد صادرت التوسعات المتلاحقة لمستوطنة “ليشم” وامتدادات مستوطنتي “عالي زهاف” و ” ليشيم ” مئات الدونمات من أراضي البلدة، معظمها أراضٍ زراعية خصبة مزروعة بالزيتون واللوزيات.


    كما فرض الجدار والحاجز الثابت والبوابات الحديدية على مدخل ديربلوط حول البلدة قيودًا معقدة على حركة المزارعين، حيث بات الوصول إلى الأراضي مرتبطًا بتصاريح محدودة الأوقات والإجراءات، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع كلفة العناية بالأرض، وأدت الاعتداءات الاستيطانية المباشرة إلى اقتلاع الأشجار، ورشق المركبات، ومنع أعمال البناء تحت حجة ما يسمى بمناطق “ج” من خلال أوامر الهدم ووقف البناء، ومصادرة معدات البناء.


    وفي الوقت الذي تُقيّد فيه ديربلوط بشروط قاسية تمنعها من التوسع الطبيعي في البناء، تحظى المستوطنات الجاثمة على اراضيها بتسهيلات واسعة للتوسع العمراني، ما يعكس سياسة تهدف إلى فرض واقع ديمغرافي وجغرافي جديد يخنق البلدة ويضغط على سكانها.


    ديربلوط بوابة محافظة سلفيت الغربية


    تجمع ديربلوط بين التاريخ العميق والمشهد الطبيعي الساحر، وبين الصمود اليومي في وجه مشروع استيطاني يسعى لابتلاع المكان وتغيير هويته، وبرغم محاولات المصادرة والتضييق، ما زالت البلدة تحافظ على دورها كحلقة وصل بين الجغرافيا الفلسطينية القديمة، وإحياء الذاكرة الزراعية التي تشكل جوهر هويتها التاريخية، كجزء حيّ من حكاية الصمود غرب محافظة سلفيت.

    شاهد أيضاً

    الصين تكشف عن خطة عمل لدعم تطوير الفضاء التجاري وتعزيز التعاون الدولي

    الصين تكشف عن خطة عمل لدعم تطوير الفضاء التجاري وتعزيز التعاون الدولي

    شفا – أصدرت الهيئة الوطنية الصينية للفضاء خطة عمل لدعم شركات الفضاء التجاري وتشجيعها على …