11:56 صباحًا / 1 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

صُنع في فلسطين ، عنوان السيادة الاقتصادية ، بقلم : معمر يوسف العويوي

صُنع في فلسطين ، عنوان السيادة الاقتصادية ، بقلم : معمر يوسف العويوي

في زمن تتكاثر فيه الأزمات الاقتصادية وتضيق سبل العيش أمام المواطن الفلسطيني، يظل السؤال الوطني الأهم: كيف نحمي صمودنا ونبني اقتصادنا بأدواتنا اليومية؟ ليس بالبندقية وحدها يُصان الوطن، بل أيضًا بما ننتجه ونستهلكه، وبالقرار البسيط حين نختار أن نشتري من المصنع الفلسطيني لا من أسواق الاحتلال، وحين نرى في شعار “صُنع في فلسطين” قيمة وطنية لا ملصقًا على عبوة.

كم تمنينا أن نرى منتجات فلسطينية تغطي مختلف القطاعات، نعتز بها ونفاخر بجودتها. فكم من مؤتمرات وندوات عُقدت دعمًا للمنتج المحلي، وكم من شعارات رُفعت لمقاطعة المنتج الإسرائيلي، ومع ذلك ما زال الطريق طويلًا أمامنا. لا تزال منتجات الاحتلال تملأ أسواقنا وتنافس منتجاتنا الوطنية بجودة وتسويق منظمين، فيما تبقى بعض المصانع المحلية رهينة الطريق القصير للربح، تتراجع في الجودة وتضعف في الالتزام بالمعايير، ما يفتح فجوة في ثقة المستهلك الفلسطيني ويؤدي إلى عزوفه عن المنتج المحلي.

الصناعة الوطنية ليست مجرد وسيلة إنتاج، بل هي رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني وركيزة أساسية لبناء استقلال اقتصادي حقيقي. ولكي تنهض هذه الصناعة، لا بد من الارتقاء بجودة المنتج المحلي وتفعيل منظومة رقابية صارمة تضمن الالتزام بالمواصفات والمعايير. فالمستهلك الفلسطيني لن يختار المنتج الوطني بدافع العاطفة وحدها، بل بدافع الثقة بالجودة والسعر والموثوقية. إن بناء هذه الثقة هو أساس استدامة السوق الوطني وحمايته من التبعية الاقتصادية.

المنتج الفلسطيني لا يحتاج إلى عطفٍ أو مجاملة، بل إلى شراكة حقيقية مع المجتمع، وعلى المصنع الفلسطيني أن يُثبت انتماءه للوطن لا بالشعارات، بل بالفعل، من خلال توفير فرص العمل والمساهمات المجتمعية وتبنّي سياسات إنتاج عادلة. فالمجتمع لا يريد منتجًا يطالب بالدعم فقط، بل يريد منتجًا يدعم مجتمعه ويكون جزءًا من بنائه. كما أن على التاجر الفلسطيني مسؤولية وطنية في منح المنتج المحلي المساحة الكافية في العرض والتسويق، ومساعدته في الوصول إلى المستهلك بثقة وكرامة.

ومع أهمية وعي المستهلك ودور المصنع، يبقى الدور المركزي للدولة في رسم السياسات التي تحمي وتنهض بالصناعة المحلية. فالدولة مطالبة بوضع سياسات اقتصادية واضحة تُفضي إلى حماية المنتج الوطني وتشجيع الاستثمار في الصناعات الفلسطينية. لا بد من فرض قيود ورسوم عادلة على السلع المستوردة التي تُغرق السوق وتضعف الصناعات المحلية، مقابل توفير حوافز ضريبية وتمويلية وتشريعية للصناعات الوطنية الناشئة والمنتجة. كما يتوجب على الحكومة تهيئة بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجستية الداعمة، بما يضمن استمرارية الإنتاج وتوسّع الأسواق الداخلية والخارجية.

إن دعم الدولة للصناعة لا يعني الانغلاق الاقتصادي، بل يعني حماية السيادة الوطنية من التبعية الاقتصادية التي يستغلها الاحتلال لتقويض مقومات الحياة. فكل مصنع فلسطيني يُفتح هو موقع مقاومة اقتصادية، وكل منتج يُصنّع في الوطن هو لبنة في بناء الاستقلال.

إن دعم المنتج المحلي يجب أن يتحول إلى ثقافة وطنية ونهج حياة يومي، يبدأ من المواطن، ويمتد إلى المصنع والتاجر، وتحتضنه الدولة بسياساتها وتشريعاتها. وعندما تتكامل هذه الأدوار في منظومة واحدة، يصبح الاقتصاد الشعبي رافعة حقيقية للصمود الوطني، لا شعارًا عابرًا.

إن “صنع في فلسطين” ليس مجرد عبارة على غلاف منتج، بل عنوان لمرحلة وعي اقتصادي جديد، نُعيد فيها للاقتصاد دوره الطبيعي كدرعٍ واقٍ للوطن، وكمساحةٍ من السيادة التي تُمارسها كل يدٍ فلسطينية تنتج وتصنع وتُصرّ على البقاء.

شاهد أيضاً

الصين تلتمس آراء العامة بشأن صياغة مسودة الخطة الخمسية الـ15

الصين تلتمس آراء العامة بشأن صياغة مسودة الخطة الخمسية الـ15

شفا – أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين، يوم الجمعة …