12:23 صباحًا / 30 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

العمارة الفلسطينية القديمة… هوية منقوشة في الحجر ، بقلم : معمر يوسف العويوي

العمارة الفلسطينية القديمة… هوية منقوشة في الحجر ، بقلم : معمر يوسف العويوي


ليست العمارة القديمة في مدن فلسطين مجرد بيوتٍ عتيقة تُقاوم الزمن، بل هي ذاكرة بصرية حية تُجسّد روح المكان، وتروي حكاية الإنسان الذي بنى بحبٍّ وإتقانٍ ما صار اليوم جزءًا من هوية الوطن وذاكرته الحضارية.


في القدس والخليل ونابلس، تتحدث الحجارة عن عصورٍ من الإبداع، وعن أيادٍ خطّت بالمسطرة والوجدان ملامح الجمال العربي والإسلامي على واجهات البيوت والأزقّة والقباب.

كان المعماري الفلسطيني منذ قرون، يدرك أن البناء ليس هندسة فحسب، بل فعل انتماءٍ وثقافةٍ ورؤيةٍ للحياة.
في القدس القديمة تتداخل الحجارة البيضاء مع الأقواس والنوافذ المقوّسة التي تفتح على ضوء النهار بنعومةٍ وطمأنينة.


وفي الخليل، المدينة التي نُحتت في الجبال، تبدو القناطر والممرات كأنها تروي حكاية مدينةٍ وادعةٍ تُخفي بين أزقّتها عبق التاريخ.


أما نابلس، فتمتزج فيها العمارة بالحياة اليومية، ببيوتٍ متلاصقةٍ كأهلها، وساحاتٍ تعكس طابع المدينة التجاري والاجتماعي.


هكذا صاغ البنّاء الفلسطيني لوحةً متكاملة، حيث التناسق بين الشكل والوظيفة، بين الضوء والظل، وبين الجمال والحياة.

لكنّ العمارة في فلسطين لم تكن فقط ذوقًا جماليًا، بل هوية حضارية تعكس عمق الوجود العربي والإسلامي على هذه الأرض.


ولذلك لم يكن غريبًا أن يستهدف الاحتلال الإسرائيلي هذه الهوية في جوهرها، عبر مصادرة البيوت القديمة وتشويه طابعها العربي أو تحويلها إلى مؤسسات سياحية تخدم روايته الزائفة.


في القدس تحديدًا، تتعرّض الأحياء التاريخية لعمليات تهويدٍ ممنهجة، تُبدّل الأسماء وتُخفي الشواهد.


وفي الخليل، يُغلق الاحتلال الأزقّة والأسواق، ويصادر منازل الفلسطينيين في البلدة القديمة، في محاولةٍ لاقتلاع الوجود العربي من قلب المدينة التي حفظت ملامحها الحجرية منذ مئات السنين.

إن الدفاع عن العمارة القديمة ليس مجرد حمايةٍ لحجرٍ أو جدار، بل حمايةٌ للذاكرة الوطنية وللهوية التي حاول المعماريون الأوائل تكريسها في كل زاويةٍ وقوسٍ ونافذة.


فهذه الأبنية ليست أطلالًا رومانسية، بل سجلًّا تاريخيًا لهويةٍ تُحاصر وتُقاوم.


كل نقشٍ فيها شاهدٌ على حضارةٍ عميقةٍ لم تُمحَ رغم الاحتلال، وكل بيتٍ قديمٍ يختزن في جدرانه قصة شعبٍ عاش وصمد وبنى ما يشبهه.

من حماية الحجر إلى حماية الذاكرة

إن الحفاظ على العمارة الفلسطينية القديمة هو واجب وطني وثقافي وأخلاقي.


فالمباني التراثية ليست ملك أصحابها فحسب، بل ملكٌ جماعي لذاكرةٍ تمتد في جذور المكان.


يجب أن تتضافر جهود البلديات والوزارات والجامعات والمؤسسات الأهلية لتوثيق هذه الأبنية وترميمها بأساليب تحافظ على أصالتها، وأن يُمنح الحرفيون الفلسطينيون المساحة والدعم لإعادة إحياء فنون البناء التقليدي التي ميّزت هوية مدننا.

فكل بيتٍ قديمٍ يُرمَّم هو صفحة تُستعاد من كتاب التاريخ، وكل قوسٍ يُعاد إليه بريقه هو انتصارٌ صغيرٌ في معركة الوجود.


ولعلّ أجمل ما يمكن أن نفعله لأجل مدننا هو أن نحمي ملامحها من الذوبان، وأن نُورّث أبناءنا ليس فقط الأرض، بل ملامحها وهويتها وصورتها في الذاكرة.


فالعمارة كما الإنسان، إن فقدت روحها فقدت معناها.

شاهد أيضاً

بلدية بيت لحم تستقبل السفير الصيني تسنغ جيشين وتدعو إلى توسيع مجالات التعاون بين الجانبين

بلدية بيت لحم تستقبل السفير الصيني تسنغ جيشين وتدعو إلى توسيع مجالات التعاون بين الجانبين

شفا – استقبل رئيس بلدية بيت لحم الأستاذ ماهر نيقولا قنواتي، اليوم الأربعاء الموافق ٢٩ …