12:42 صباحًا / 26 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة في ديوان “ورد وسنابل” للشاعر نبيل طربيه ، بقلم : رانية مرجية

قراءة في ديوان “ورد وسنابل” للشاعر نبيل طربيه ، بقلم : رانية مرجية

قراءة في ديوان “ورد وسنابل” للشاعر نبيل طربيه ، بقلم : رانية مرجية

اللغة والهوية: الجمال الذي يتجسد في الكلمة

في ديوانه «ورد وسنابل» الصادر عام 2024 عن دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر، يفتح الشاعر نبيل طربيه نوافذ الروح على حقل من الحنين، والحب، والوطن، واللغة. هذا العمل الشعري يضيء بتوازنٍ فريد بين صدق العاطفة ونقاء التعبير، ليجعل من الكلمة جسراً بين الذات والكون، وبين الإنسان وحقول الحياة التي تتبدى في كل قصيدة كولادة جديدة للجمال.

اللغة في هذا الديوان ليست وسيلة فحسب، بل هي كائن حي يتنفس بين السطور. من قصيدته «لغتي» نسمع صوته يصدح بفخر العربي الذي يذوب عشقاً في لغته الأم:

«لغتي لها نغمٌ ويطرب خافقي
قلبي مُحنّى بكَنتها لَهُ نغما»

هنا يتجلّى حب الشاعر للغة العربية بوصفها هوية وانتماء وفضاء مقدّس، يختلط فيه الحرف بالنبض، والنحو بالحنين، والمعنى بالولاء.

بين الروح والعشق والوطن

ديوان «ورد وسنابل» يفيض بتنوّع موضوعاته، لكنه يبقى متماسكاً حول محورٍ إنسانيّ واضح: الانتماء.
في قصيدة «أنت البلاد»، يكتب الشاعر بوجدٍ صادق:

«فأنت المبتغى أنت المراد
تَجُّ إليك روحي والفؤاد»

الوطن هنا ليس جغرافيا جامدة، بل كائنٌ روحي يسكن الشاعر ويأويه. الوطن هو المعشوق، وهو الملاذ، وهو وجه الجمال الذي يلوذ به كلما ضاقت به الدروب.

أما الحب في هذا الديوان، فليس نزوة ولا غزلاً عابراً، بل حالة صوفية سامية، تمتزج فيها الروح بالجسد، وتصبح القصيدة صلاة من نوع آخر، كما في «الكَرمة في عينيك»:

«الكَرمة في عينيك تُراقصني
كسنابل شعرٍ غجرية»

المرأة: مزيج من الوجد والجمال الإلهي

المرأة في شعر طربيه ليست موضوعاً بل جوهر القصيدة.


هي «أمّ العيال»، وهي «الحبيبة»، وهي «الروح المؤنثة» التي تمنح اللغة خصوبتها. لا يكتبها بوصفها جسداً بل روحاً، نوراً، وفكرةً تُكمّل معنى الوجود. وفي قصيدته «أغار على عيونك» نلمح هذا الشغف الهادئ، والغيرة التي تحوّلت إلى غناءٍ روحي.

الرسالة الإنسانية والبعد القيمي

يتجاوز طربيه في هذا الديوان الذاتَ الفردية ليعانق الوجع الجمعي، كما في قصيدته «جسد الطفولة»، حيث يستحضر مأساة الطفولة في الحروب، فيقول:

«جاء يسأل عن مساءٍ هادئٍ
عن دميةٍ في ليالٍ من سغب»

هنا الشاعر ليس مراقباً، بل شاهدٌ وشهيدٌ على عصرٍ أضاع إنسانيته. وهو يوظّف البساطة والعاطفة في آنٍ واحد ليصوغ احتجاجاً شعرياً راقياً على الظلم.

جماليات الشكل والمضمون

ينتمي ديوان «ورد وسنابل» إلى الشعر العمودي الموزون، لكنه يُضفي على الوزن روحاً حديثة من حيث الصور والانزياحات اللغوية. فالصورة عند طربيه ليست زينة بل بنية دلالية، تنبثق من المعنى وتعود إليه في دورةٍ جمالية متقنة.


كما تتنوّع القوافي بين القصائد، وتخدم الإيقاع الداخلي للحسّ، لا العروض وحده.

خاتمة: بين الوفاء والإبداع

ديوان «ورد وسنابل» ليس مجرد عمل أدبي، بل وثيقة وفاءٍ لجيلٍ من الشعراء والأدباء الذين آمنوا بالكلمة رسالةً ومسؤولية.


وفي مقدمة الكتاب، نجد هذا البعد واضحاً حين يقول الشاعر إنه جمع قصائده «وفاءً للإرث العظيم» وللجيل الذي «قرأ فكتب فقرأناه».

إنه ديوان يعيد الثقة بأن الشعر العربي ما زال قادراً على الإزهار في زمنٍ قلّ فيه الورد وكثرت السنابل اليابسة.
بأسلوبه المشرق، وصوره الرقيقة، وموسيقاه العذبة، يضع نبيل طربيه بصمته المضيئة في سجل الشعر الفلسطيني والعربي الحديث

شاهد أيضاً

واصل أبو يوسف

واصل أبو يوسف : أي تجاهل لمرجعية منظمة التحرير يعد تكريساً للانقسام ويخدم أهداف الاحتلال بمنع تجسيد الدولة الفلسطينية

شفا – قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، إن الموقف الفلسطيني منذ …